الخميس، 28 يونيو 2012

التطرف الفكري الاسباب والعلاج


إن ظاهرة الغلو والتطرف الديني ليست وليدة الظروف الراهنة بل هي موجودة منذ القدم كما انها ليست مختصة بدين معين فكل الأديان عرفت طوائف تخرج عن الإجماع وتتهم المجتمع بالكفر والزندقة ومن ثم تخرج عليه وتناصبه العداء، وقد ظهر التطرف الديني فى أوروبا مما أستدعى تدخل الكنيسة للوقوف في وجهه، كما ان المجتمعات الإسلامية هي الأخرى لم تسلم من الظاهرة عبر التاريخ حيث تضرر المسلمون طويلا من الظاهرة، وكثرت الطوائف والفرق، وحكم البعض على الآخر بالردة والخروج عن الملة وتعال في الأفق تبادل الاتهامات بالردة والتبديع والتفسيق والتكفير، وقصد فهم الظاهرة الخطيرة التي باتت على وشك ان تتسرب الى مجتمعنا وتلوث عقول شبابنا والأسباب الكامنة وراء انتشارها والبحث عن حلول لاجتثاثها ومعالجتها نحاول هنا ذكر ابرز الأسباب التي قد تؤدي الى التطرف الفكري والتي يمكن ان نقسمها الى أسباب ذاتية وأخرى خارجية:

الأسباب الذاتية:
1ـ الجهل : وهو مصدر كل الأخطاء, لان الجاهل لايحكم عقله بل يندفع وراء عاطفته، وقد يكون هذا الشخص غيورا على دينه وشديد الخوف من ربه لكنه جاهل ولا يدري انه جاهل على قول الشاعر:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
فالكثير ممن تأثروا بهذا الفكر ثقافته الدينية محدودة ولا علاقة له اصلا بدراسة العلوم الإسلامية ولا يحمل أي شهادات علمية في الميدان الديني!، وإن ظهر على هؤلاء تدين لان دافعهم هو الحرص على الالتزام بالدين، لكن الغيرة والعاطفة لا بد ان تضبط بضوابط الشريعة وعدم إلغاء العقل، لان كثرة العبادة ليست دليلا على العلم ولا على ان الشخص معه الحق لقوله صلى الله عليه وسلم ”يخرج فيكم قومٌ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية“.
2ـ وجود بعض البدع و الخرافات و العادات والتقاليد، المخالفة لصميم الاسلام كالذبح لغير الله، ودعاء الأموات وتعليق التمائم والحجب وتصديق الكهان والعرافين " لقزانة " والتي يجهل الكثير من الناس انها مخالفة للدين وهذه امور كلها زادت من التطرف المضاد وبعد هؤلاء عن مجتمعهم وجعلتهم ينظرون الى انه مجتمع جاهلي خلاف ما تقتضيه الشريعة من النصح بصدق والتحذير من هذه المخالفات بالرفق واللين والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة :" ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن " لا بالتي هي اخشن.
3 : بروز مظاهر الانحلال والتفسخ في المجتمع بسبب التغيرات التي طرأت على البنية الاخلاقية وهو ما ينتج عنه تطرف معاكس بالغلو والتشدد وبالتالي الضياع في متاهات التطرّف الفكري.
4 ـ جرأة بعض الشباب على اطلاق احكام الحلال والحرام التي تملك الاستناد الى دليل شرعي مخالفين لقوله تعالى:" وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ".
5ـ الظن وانتشار الإشاعة: عندما تنتشر الإشاعة في المجتمع، تصبح الساحة مسرحا لتبادل الاتهامات والظن السيئ بالناس مما يوسع الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد، ويفتح الباب على مصراعيه أمام الأفكار التكفيرية وإلغاء الآخر قال تعالى: " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ".
6ـ الفساد الإداري وغياب العدالة :إذ تساهم تجاوزات بعض المسئولين وعدم العدل بين الناس، او التنقص من حقوقهم والتمييز بينهم يدون مبرر كل ذلك ينمي مظاهر السخط والتذمر ويؤدي إلى فقدان الثقة في السلطة ثم العمل في الاتجاه المضاد لتغيير هذا الواقع، وهنا يجد المبرر الكافي لركوب موجة التطرف والتكفير باسم الاصلاح والتغيير.
7: غياب الدولة عن مراقبة الأفكار الوافدة وتضييق الخناق عليها ومتابعة اصحابها، وقد سبق الحديث عن عدم إدارة المساجد وتوظيف اهل التخصص، وترك معظم المساجد في يد شباب غير مؤهل بما فيه الكفاية لتوجيه المجتمع نحو الصالح العام، وتراجع التوجيه الديني الممنهج والمدروس بعناية، غياب رقابة مستمرة للتوجيه داخل المساجد وحلقات النقاش التي تثار فيها الافكار الشاذة والمتطرفة دون تاطير من ائمة مختصين مما يفسح المجال امام التأويلات الخاطئة والفتاوى الشاذة والافكار المتطرفة.
8: غياب مرجعية علمية تقوم بالتوعية الدينية، أوعلماء يرجع اليهم في المسائل الشرعية، يبصرون الناس بالحق ويحذرونهم من الباطل، ويرسمون للنشء معالم وسطية الاسلام ويسره وسهولته، ويحفظونه من الانحراف والتأثر بالافكار الغريبة الوافدة .
رابعا : الحالة الاجتماعية التي يعيشها معظم الشباب من بطالة وعدم اكتراث الدولة لحالهم، وغياب سياسات ناجعة اتجاه الشباب وتوفير الفضاءات المناسبة لاحتضانه وجعله يلعب دورا إيجابيا داخل المجتمع، وهو ما يفسر سرعة تقبل بعض الشباب لهذه الافكار، لان العلم ضئيل يولد تلك الفتاوى المتشددة وغير المتزنة.
9: التغرير : تحت ضغط الدافع الديني الذي ينطلق من حماس هؤلاء للدين والتعجل في تطبيق الشريعة الإسلامية، في ظل عالم يموج بالفتن والحروب والفساد المنتشر في كل بقاع الارض وابتعاد العالم عن شريعة السماء وهذا السبب دفعهم لتاؤيل ايات خلاف ما فهمها به السلف الصالح في تكفير المجتمع مثل اية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) التي قال في تفسيرها ابن طاوس ليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق كما رواه ابن جرير وعن ابن عباس قال ليس بالكفر الذي تذهبون إليه ورواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. فهل هم اعلم ام علماء السلف الصالح الذين كانوا احرص على تطبيق شريعة الرحمان، واكثر الذين تأثروا بهذا الفكر درسوا بدول الجوار خاصة الذين درسوا بالمعهد السعودي بموريتانيا حيث كان يحرض على العنف وتكفير الحكام وتجهيل المجتمعات تحت غطاء الجهاد، بشهادة من درسوا بالمعهد، كما يوجد من كان متأثرا بفكر الحركة الاسلامية المسلحة في فترة الثمانينيات والتسعينات، وكان الدافع الاكبر لامتطاء صهوة التطرف الفكري هو الحماس غير المؤسس على أسس الدين، والبعيد عن مقاصد الشرعة التي احسنت احكام كل شيء، فهؤلاء لا يدركون أولويات العمل الدعوي والمقاصد التي جاءت الشريعة لحفظها من حفظ الدين والنفس والعقل و العرض والمال والمصلحة التي اينما كانت فثم شرع الله، لكن من يفهم هذه المعاني وهو الذي شحن بالحقد ضد وطنه وشعبه.
هذه بعض الاسباب الذاتية التي يمكن ان تحمل على التطرف فيما تبقى الاسباب الخارجية التي سنتطرق اليها في موضوع لاحق