قراءة في فكر الشهيد الولي مصطفى السيد

يحي الشعب الصحراوي من كل سنة يوم 9 يونيو يوم الشهيد الذي يصادف  هذه السنة مرور 35 سنة على سقوط الشهيد  الولي مصطفى السيد الامين العام السابق لجبهة البوليساريو ومؤسسها  وواضع معالم الدولة الصحراوية

بالمناسبة وكالة  الانباء الصحراوية  تقدم دراسة تضم اراء بعض الباحثين ورفاق الولي ، حول  فكر الرجل  ومناقبه  

 يشكل  الولي في  نظر من عرفوه  ظاهرة تاريخية لشخص جمع" شخوصا، وتوفرت فيه  كفاءات متعددة" لكنه طرح جملة من الأسئلة قبل ان يضع لها الاجوبة في مشروع وطني  يشكل اليوم  رسالة بيد  الشباب يفرض الآن  نفسه كمعادلة صعبة بالمنطقة".
 
 كما  كان رجل إعلام وسياسة "متمرس"  ترك  بصماته في المنظومة العسكرية الصحراوية، الى  جانب  كونه رجل ميدان و سياسة "محنك" أدرك التحديات وتمكن  من وضع الخيارات والمخارج التي  مكنته من معرفة كيف" يمسك براس الخيط" بحسب الصحفية اللبنانية ليلي بديع ويشاطرها في نفس الراي المحلل الاسباني بريونس في كتابه عن الولي 
 

الولي يمثل" قدوة" في الدبلوماسية وفي ربط الاتصال بالآخر وكسب التحالفات وتشكيلها، كان المفاوض الفذ المقنع سواء مع المناضلين، أو مع الشيوخ، أو مع الآخرين، الرجل يعرف كيف يبلور افكاره، وكيف ينظم وقته  وكيف يسير التنظيم ويحسن ابداع اساليب العمل، يتقن تصريف الأدوات وتنظيمها، وفي نفس الوقت كان الرفيق المستحيل لرفاقه، والأخ المحب لأخواته، والأب الحنون لكل الأطفال الصحراويين والإبن البار للشيوخ والعجائز بحسب العارفين له... كان كل هذا وأكثر وهو لم يتجاوز ال28 سنة حين سقط في ساحة الشرف قبل 35 سنة، يقول رفيق دربه محمد لمين احمد
 

بنى الولي فلسفته في القيادة على "الريادة والمبادأة  والصرامة والصراحة ونقد الذات" خاصة في مخاطبة ومعالجة الاطر.. تلك  الفلسفة التي  جسدها في الاتصالات  المبكرة مع القوى السياسية في المغرب وموريتانيا ولبنان وفي اقناع القيادات السياسية في  الدول المجاورة (ليبيا، الجزائر، موريتانيا)، وكرسها في تأسيس  جبهة البوليساريو واعلان الكفاح المسلح، و تشكيل المجلس الوطني الصحراوية واعلان الدولة الصحراوية في لحظة من تشتت البال وضعف الامكانيات وفي ظروف جهوية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد.

 "قوة الاقناع  التي تحلى بها الرجل جعلته يحظى باعتراف كبار شخصيات العالم  ويجد لنفسه مكانة كبيرة بين رفاقه وفي قلوب كل الصحراويين الذين يسيرون على ذات النهج  نهج الشهداء الذي كان الولي سباقا فيه ورياديا في سلكه" يضيف ولد احمد في محاضرة قدمها في هذا المقام .

 الولي مصطفى السيد هو الذي قال فيه الامين العام الاسبق  للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، جورج حبش بأنه" وجد نفسه  أمام شخصية لم ير لها مثيلا  لا من قبل ولا من بعد،  بل اعترف له بالشخصية الفذة  التي تمكنت من سلب لبه وجعلته يتلعثم في حديثه أمامه بحسب الكاتبة الصحفية اللبنانية ليلي بديع.

 كما قال فيه الزعيم الليبي معمر القذافي في رثائه سنة 1976:" لقد أضعت ولدا لم الده وأضعت صديقا ما سعيت إلى أن أكون له صديقا وأضعت نبيا أرسل في غير زمانه." بحسب الكاتبة اللبنانية التي كانت اول من تعرف عليه سنة 1972

 ذلكم  هو الولي المفكر و القائد الذي خاطر بروحه من أجل شعبه ووطنه، وجسد القول المأثور"  اذا ارادت القدرة الخلود لأمر سخرته لخدمة الجماهير." كما قال رئيس الجمهورية السيد محمد عبد العزيز في احد خطبه
  
 في فكره  تقول عيتاني خلال محاضره :"في تفكيره كان اشتراكيا يؤمن بعدالة عمر بن الخطاب، لكنه رأسمالي يؤمن بأن الثروة يجب أن تكون لجميع الشعب ويؤمن بالعدالة الاجتماعية..كونه يؤمن بالانسان وبالشعب، ويكفر بالقبلية وبكل ما يشتت او يفرق  الشعب الصحراوي."
 

وصفه ممن درسوا فكره انه كان انسانا عبقريا، ذا قدرات خارقة، يمتلك رؤية وفكر رجل استراتجي من طراز رفيع ، كان يدرك عظمة الجماهير وقدرتها غير المتناهية في القيادة والعطاء والريادة والتواصل، كما كان يضع التواضع سمته لصيقة بمن اراد ان يجعل له مكانا بين الجماهير يمقت الترفع و كل مظاهر القيادة السلبية كما قال الكاتب الاسباني افيلبي بريونيس.

 في ظرف قياسي وضع بصماته على المشروع الوطني في الدولة والتنظيم السياسي موضحا العلاقة بين الاثنين مثل التي بين القاطرة ومحركها .

 الولي ضمير البوليساريو .. الغائب الحاضر..!!

قال الدارسون للظاهرة انهم نقبوا في اكثر من كتاب درس الرجل ، وتوقفوا عند بعض النقاط المضئية التي يرون  انها قابلة بان تكون محور اكثر من ملتقى او دراسة ، وكل جانب منها يصلح لان يدرس بحاله من لدن ذوي الاختصاص بالتعاون مع ذوي الخبرة والمعرفة بتلك الفترة الخصبة من تاريخ المقاومة الصحراوية، والتي لعب فيها الولي دور قطب الرحى ..!!

وتوقف المهتمون بفكر الرجل عند ابرز هذه المعالم مستحضرين نفسه من قبيل كيف نجعله، رقيب اعمالنا وحسيب اقوالنا..!؟ كيف نتذكره دروسا في قدوة الطليعة والوطنية..!؟ كيف نتمثله انسان ثائرا على واقع مريض ومرفوض، كيف سخر نفسه لخدمة الجماهير، وكيف ابتعد عن الانانية وحب الذات والتضحية بكل شئ  كما كان الولي ورفيق دربه اوليدة .!؟

وهو الذي علمنا كيف يثور الانسان و كيف يتفسخ من الدنيا بقدها وقديدها ويمتشق المعاناة من اجل قضايا انسانية رفيعة..!؟ كيف كان يعطي للقاعدة ولا ياخذ منها ..!؟ كيف كان يرى بان انصاف الحلول مزالق: الوطن لا يقبل القسمة فالصحراء اما دولة مستقلة او مقبرة للشهداء ..!!

نبش الذاكرة وشحذها على هذا النحو، يقود حتما لاستفهام اخر اعمق واشمل ما العمل لشحن الذات وتنقيتها بما يحقق النوعية في الاداء ويكرس ثقافة التضحية والعطاء ويربى فضيلة التطوع وينقي النفس من الشوائب ويزكيها لخدمة قضايا انسانية رفيعة سامية سمو الحرية والاستقلال ..؟!
هنا تحضر شاخصة قيم الشهادة، ونكران الذات اين نحن منها واين هي منا في وقت يعز فيه نكران الذات..!؟

وضع النقاط على الحروف يتطلب، جرأة في مصارحة الذات وامتلاك ناصية الشجاعة في التفكير بكل وضوح ودون مؤاربة، أي تحمل المسؤولية بما لها وما عليها، وما يقتضيه ذلك من نقد للذات ومراجعة الأساليب والوسائل، والتحلي بثقافة الاعتراف بالاخطاء والقدرة على الاستفادة منها بتصحيهها او تلافيها، كما كان الولي يجسد في اقواله وممارسته، و تلك واحدة من ابرز شيم وخصال الولي رحمه الله مع بقية شهداء الشعب الصحراوي ..!؟

لقد علمنا الولي رفقة لفيف من الوطنيين، كيف يصاغ البديل، كيف تحدث النقلة، كيف يقيم الاعوجاج..!؟ وكيف الاعتماد على النفس وعلى الجماهير ..!!

وهو الذي ادرك بان البديل " تفكير، رؤية واضحة المعالم، استراتيجية حصيفة صارمة " تضع "القطيعة" فكرا وممارسة مع اساليب وخطط الخصم..
و ترجم ذلك في نقد الذات وجلدها، محاسبة الاطر وفي النهج الذي اختظه للتسيير الذاتي للحركة منذ الوهلة الاولى .. كان الكل يهابه كونه المقدام، الشجاع، رجل المراس صاحب النظرة الثاقبة ..!؟.

الولي، صاغ البديل على غرار التجربة الانسانية في الديانات والهبات الاجتماعية والنقلات الكبرى في الثورات الاجتماعية والسياسية على مر التاريخ ..!؟
هنا نتوقف عند نقد انفسنا : كيف لنا ان نعيب ممارسات الاستعمار والاحتلال، ونكرسها على الارض عن قصد او بدونه (...) التي نوظفها عملة في التسيير وتصريف الشأن العام او الخاص، اعترفنا ام لم نعترف..!؟
بعد ال 35 سنة نتوقف متسائلين كيف المقارنة بين الامس واليوم في ظل  البون الشاسع بين زمن فضيلة التسابق نحو الشهادة والترفع عن مغانم الدنيا وملذاتها، ومعانقة المصاعب، وما نحن فيه اليوم من تهافت و سباق محموم من اسراف وتبذير وصل حد الجنون ومن هرولة البعض ليس نحو امتشاق البندقية وحب الشهادة، بل بحثا عن فتات من عدو  وعن تزلف، وتلك المصيبة ..!؟ 
 الحقيقة ان الولي وزمانه كانا "طفرة" نتيجة ظروف اقليمية ودولية كالتي انتجت نخبة بعينها، جاءت من باب ان المحنة تلد الهمة، وان الطبيعة البشرية لا تقبل الفراغ، بل تنحو باتجاه ملئه.. فالولي يعد في مصاف شخصيات بذاتها ( ناصر في مصر، تشيغيفارة كاسترو في امريكا اللاتينة، تيتو في يوغسلافيا وعرفات في فلسطين) كان وليد ذلك التيار وتلك الحقيقة في سجايا النفس البشرية في التمرد على الواقع والثورة بمعنى احداث تغيير جذري عبر فوضى خلاقة 
في ذكرى رحيل الرجل، تشرأب الاعناق وتعود الى البداية .. معها ترتسم ملامح مرحلة مفصلية ، وضعت البديل الذي كرس ثقافة القطيعة مع الماضي ( ممارسات قبيلة، ولاءات للاستعمار،عبودية، عدمية سياسية)، و جسد التضحية، واشع قيم الرقي الاجتماعي وفضيلة لابتعاد عن المظاهر ومقت الزبونية والمحاباة، وترجل بالتفكير وبالانسان نحو السمو والعلا في الطموح والاهداف ..

في ظلال الحدث، يتجدد العقد، مع استحضار تلك الشخصية العامرة بحب الوطن، والاعتزاز بالشعب، المؤمنة بحتمية النصر وقدس رسالة القضية ونبل مقاصدها وشرف اهلها ..!! تبرز من خلف السنوات، أنفة وكبرياء الثائر، تظهر مميزات الرجل النوعي في تفكيره وفلسفته، وفن تدبيره وسعة علمه وتتجلى في مرابطته عند مقاطعة نهج الخصم في ممارساته واساليبه العامرة بسوء الإرادة الغارقة في الزبونية وحب الذات، وفي الممانعة الثورية والحسم دون تردد ولا مؤاربة او ضبابية في اتخاذ القرارات واسداء التوجيهات وتوضيح المعالم ..!!

من هنا لابد من تجديد العقد على بيعة الشهداء الذي يلامس طموحات وطنية، يحترم الاخر يوحد الشعب، وهو الذي جعل للكل مكانه في العمل، على اعتبار ان الوطن سفينة تتسع للجميع، وان جبهة البوليساريو زمام قيادة و مكسب من حرب التحرير والية بيد الجماهير..!!

لقد ابتدع بديلا يشحن ويعزز فكر ثورة الشعب الصحراوي ويضعها في مصاف التجربة الانسانية الرائدة، ينهل من معينها، يتمثل روحها المتدفقة التي نجدها اليوم في شباب وشعب يمتشق راية المرابطة على الخط بصدور عارية وهامات مرفوعة في مواجهة الاحتلال في العيون، السمارة، الطنطان، الداخلة ، بوجدور وفي المواقع الجامعية في الرباط، مراكش، اكادير، المحمدية .. وفي السجون وفي المدارس بالوطن المحتل ... و في تلك الصور التي تصل الينا على ايقاع موسيقي الهبة الوطنية، تطل على العالم ، حقائق ساخنة من خلف القضبان و المحاكم ومن كل حدب وصوب، لسان حالها يقول نموت نموت ويحيا الوطن .. كان اكديم ايزيك قد وضع القطار من جديد على سكة  جديدة بدأت تعم المنطقة من المشرق الى المغرب ..

انه البديل الذي يضع حب الوطن والدفاع عن مقدسات الشعب الصحراوي أولوية قبل غيرها، و اليتبارى في ذلك المتنافسون ..!!

المصدر: واص