السبت، 30 يونيو 2012

"مخطط بيكر الثاني"


مدخـــــل
تتجلى إحدى أهم الخصوصيات المثيرة للإنتباه للنزاع حول أخر مستعمرة في افريقيا الصحراء الغربية، في التوتر الناتج عنها ما بين "القانون" و "السياسة": فمن جهة توجد قرارات شرعية دولية حاسمة سيمكن تنفيذها بصفة فورية و بسيطة من حل هذا النزاع الطويل ومن جهة أخرى يوجد عدد من المناورات السياسية الهادفة إلى شل فعالية القواعد القانونية. و "مخطط بيكر الثاني" هو إلى حد الساعة أخر إقتراح لحل هذا الصراع القديم.

فهذا العمل يهدف إلى تفسير الأسباب الكامنة وراء "مخطط بيكر الثاني" كإقتراح لحل توفيقي ما بين المغرب ( يوجد في موقف سياسي أحسن من موقفه القانوني) وجبهة البوليساريو (في موقف قانوني أحسن من موقفها السياسي) بعد فشل الحلول المغربية الانفرادية وإنقطاع الحلول الوسطى السابقة التي وافق عليها المغرب في إطار مخطط السلام. وقد أدى إنعدام التوازن السياسي الظاهري لصالح المغرب إلى إقتراح حل يرضي بصفة كبيرة مطالبه بل بدرجة أكثر مما كان يمكنه الحصول عليه قانونياً. ف"مخطط بيكر الثاني" يعتبر وثيقة ذات أهمية كبيرة إذ تمكن من خلاله دراسة بعض الأوجه التي تثير بعض الشكوك فيما يتعلق بمدي تطابقه مع القانون الدولي المعمول به. كما يساعد هذا العمل على تقييم بعمق قيمته السياسية والانعكاسات التى قد تنجم عن تطبيقه على السياسيات الوطنية للأطراف المعنية وعلى السياسة الجهوية لدول المغرب العربي. وقد وضعت بدون شك التغييرات السياسية في المغرب التي إستغلت بشكل لبق من قبل جبهة البوليساريو والجزائر، المملكة العلوية أمام تحدي صعب جعلها ترفض إنتصارا دوليا لتنفادي "التكلفة السياسية" للتفتح الديمقراطي الذي يتطلبه تطبيق "مخطط بيكر الثاني". و يرجع الرفض المغربي لحل النزاع تماشياً مع القانون الدولي للادعاء القائل أن ذلك ستنتج عنه إنعكاسات خطيرة على إستقرار المنطقة و يشكل سابقة خطيرة على الساحة الدولية.


نزاع قانوني طويل … تمت تسويته.

1. لقد علج نزاع الصحراء الغربية في بدايته من المنطلق السياسي ليتم التطرق إليه فيما بعد من المنطلق القانوني وتم التطرق إليه بعد ذلك من جديد في شكل سياسي أعمق. لتعود معالجته من جديد، منذ سنة 1990، إنطلاقا من البعدين السياسي والقانوني معاً.

يوجد السبب السياسي لهذا النزاع في إلايديولوجية الوطنية "للمغرب الكبير". إذ وضع علال الفاسي رئيس حزب الاستقلال الوطني المغربي خلال إقامته في القاهرة (1953-1956) نظرياته الخاصة بـ"المغرب الكبير" الذي ليس أكثر من إعادة بناء، طبقاً للأصل، منطقة إمبراطورية المرابطين القديمة التي تضم كل مستعمرات إسبانيا في شمال إفريقيا (إفني، كل منطقة طرفاية، كل الصحراء الاسبانية، سبتة، مليلة والجزر)، كل موريتانيا وجزءا كبيرا من الجزائر ومالي وصولاً إلى نهر السنغال. و بالرغم من ضعف القاعدة التاريخية لهذه النظريات الوطنية (كما أوضح ذلك جليا حكم محكمة العدل الدولية سنة 1975) إلا أنها وجدت صدى سياسياً أكبر في المغرب، حيث كانت أول مناسبة تبنى المغرب فيها رسميا هذه الايديولوجية كما أوضح بيلار، هي مناقشات اللجنة الرابعة (تصفية الاستعمار) للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 أكتوبر 1957. وقد أنشئت بعد ذلك بقليل يوم 10 نوفمبر من نفس السنة "المديرية العامة للشؤون الصحراوية والحدود" بوزارة الداخلية و عين علال الفاسي نفسه على رأسها. و تبنى الملك الجديد الحسن الثاني، بعد وفاة محمد الخامس، إديولوجية "المغرب الكبير" في خطاب يوم 20 أغسطس 1961 ليقوم بعد ذلك يوم 12 أكتوبر من نفس السنة (اليوم الوطني للاسبنة ) بالتعبير عن تحفظاته إزاء كل المناطق الاسبانية في المغرب العربي.

وإبتداءا من هذا التاريخ إتخذ الوضع منعطفاً جديداً عندما قبل الممثل الاسباني لدى الأمم المتحدة، السيد بنييس يوم 7 ديسمبر 1963، تطبيق مبدأ تقرير المصير في الصحراء الغربية. وقد أتخذت خلال تلك الفترة (الستينات) عدة قرارات من قبل الأمم المتحدة بخصوص إفني والصحراء. و برغم من محاولة المغرب فرض معالجة موضوع الأقليمين معاً فإن الأمم المتحدة أعطتهما منذ عام 1966 نظامين قانونين مختلفين: ففي الوقت الذي كان يعتبر فيه إفني مستعمرة تؤثر على الوحدة الترابية للمغرب وتتطلب تصفية الاستعمار منه إرجاعه إلى المغرب، فإن الصحراء كانت تعتبر مشكلا إستعماريا لا يؤثر على الوحدة الترابية لأية دولة أخرى والذي تتطلب تصفية الاستعمار منه إستفتاءا لتقرير المصير. و فعلا فقد طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ إصدار التوصية 2229 (XXI) الصادر بتاريخ 20 ديسمبر 1966 وبدون إنقطاع، بأن الصحراء الغربية، ما دامت لا تشكل جزءاً من "الوحدة الترابية" للمغرب، هي إقليم يجب تصفية الاستعمار منه عن طريق إستفتاءا لتقرير المصير.

وقد أدى رفض الأمم المتحدة للإدعاء المغربي الذي يطالب بإعتبار الصحراء جزءا من "الوحدة الترابية" لهذا البلد و النزاع الذي أثار المغرب منذ 1961 حولها إلى إبقاء هذا الملف معلقا ما بين 1969 و1974. وهي فترة (قبل) فيها المغرب، دون التخلي عن موقفه القانوني، تطبيق مبدأ تقرير المصير خصوصاً بالنسبة لموريتانيا و هي إقليم طالب به مستخدما نفس الحجج التي يطالب بها الصحراء الغربية في الوقت الحالي.

وأخيراً أعلنت إسبانيا يوم 20 أغسطس 1974 (عدة سنوات بعد ما كانت الامم المتحدة قد طالبتها بذلك) عن طريق رسالة قدمها الممثل الاسباني لدى الأمم المتحدة إلى الأمين العام السيد كورت فولدهايم، أنها تفكر في تنظيم إستفتاءا "خلال الأشهر الأولى من سنة 1975". لقد كان بالامكان أن يكون نزاع الصحراء الغربية قد حل سنة 1974 لو نظم إستفتاء تقرير المصير أنذاك و هو الشئ الذي كانت تطالب به الأمم المتحدة و كانت إسبانيا تستعد لتنظيمه في مستعمرتها أنذالك، ولذلك الغرض وضعت القوة المستعمرة سنة 1974 إحصاءا لايزال يشكل إلى يومنا هذا القاعدة الاساسية لحل النزاع.

لقد حاول المغرب بكل الوسائل منذ هذا التاريخ تجنب الاستفتاء مقتنعا بأنه سيكون الخاسر. وطالب الحسن الثاني في ندوة صحفية في يوم 17 نوفمبر 1974 بعد عرض تاريخي حول الصحراء مليئ بالأكاذيب، باللجوء إلى محكمة العدل الدولية. وحسب ما صرح به الوزير المغربي اسلاوي يوم 25 نوفمبر 1974 في الجمعية العامة للأمم المتحدة " فأن قرارات هذه المنظمة قد حرفت من قبل إسبانيا لتضمن خلق في "إقليمها" دولة مصطنعة جديدة لن يكون إستقلالها الشكلي إلا تغطية لإسمترار النظام الاستعماري الذي تم التوصل معه إلى "وضع جديد" يشترط تعليق الاستفتاء الذي تطالب به الأمم المتحدة وبالتالي مراجعة التوجيهات والمقاييس المتضمنة في قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ".


و منذ ذلك الحين حاول المغرب تغيير مذهب الأمم المتحدة وذلك ما كان يتطلب منه الوقت في حين كانت إسبانيا تحضر لتنظيم الاستفتاء. ومن أجل عرقلة هذا الأخير فكر في اللجوء إلى محكمة العدل الدولية نتيجة لأنه لم يكن ممكناً الوصول إليها عن طريق طرح النزاع عليها مباشرة وذلك للرفض الاسباني السلبي فحاول الوصول إليها عن طريق إستشاري من خلال الأمم المتحدة. وهذا ما كان يتطلب الكثير من الدعم وقد حصل عليه المغرب من موريتانيا مقابل الاعتراف لها "بحقوق" على الصحراء وهذا ما يعني الاعتراف لها بإمكانية تقسيم الاقليم. و قد شكل قبول موريتانيا للمبادرة المغربية حدثاً حاسما وً حزيناً في تاريخ تصفية الاستعمار من الصحراء. وفي الختام يجب الاشارة إلى خطأ الجزائر التي قبلت باللجوء إلى محكمة العدل الدولية وذلك ما يعني ترك إسبانيا وحيدة وبالتالي فتح الباب أمام تعليق الاستفتاء. وبفضل هذا الدعم تمت المصادقة على القرار 3292 (XXIX) بتاريخ 13 ديسمبر 1974 والذي طلب إرسال بعثة أممية إلى الصحراء بهدف إعداد تقريرا ، و من محكمة العدل الدولية حكما إستشاريا وإسبانيا بتعليق ألاستفتاء إلى غاية إعداد تلك الوثائق وهو أمر قبلت به إسبانيا.

2. لقد كان الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حاسماً وقدم عدة مبادئ أساسية للحل المستقبلي للنزاع

إذ صرحت المحكمة في البداية بأنه لم توجه أبداً روابط "سيادة إقليمية" بين المغرب والصحراء الغربية ذلك أنها لم تجد براهين تدل على أن المغرب "مارس نشاط حكم فعلي وخاص على الصحراء الغربية" بحيث أن كل ما وجدت هو بعض روابط البيعة بين "بعض ولكن فقط بعض" القبائل البدوية في المنطقة والسلطان المغربي. وإنطلاقاً من هذا فإن "خلاصات المحكمة بخصوص طبيعة الرابطة القانونية بين المنطقة (الصحراء الغربية) و المملكة المغربية والمجموعة الموريتانية على التوالى تختلف بشكل ملموس عن الأراء المقدمة بهذا الخصوص من قبل المغرب وموريتانيا. ورأي المحكمة أن هذه الروابط لا تشمل السيادة الأقليمية، ولا السيادة المشتركة ولا الدمج الأقليمي في كيان قانوني.

وقد أكدت المحكمة من جهة أخرى، في حكمها الذي طلبت منها الجمعية العامة للأمم المتحدة لمساعدتها على إتخاذ موقف من "الأطروحات المغربية والموريتانية التي تكون الدولتان قد حافظتا حسبهما على روابط قانونية مع الصحراء الغربية تؤثر على وحدتهما الترابية، أنه أي الحكم لا يؤثر ولا ينقص من "حق سكان الصحراء الغربية في تقرير المصير". فمحتوى هذا الحكم لا يدع أي مجال للشك :إذن مسلسل تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية يخدع شرطاً للإعتراف بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي وبالتالي فتصفية الاستعمار من الأقليم لا تؤثر على "الوحدة الترابية " للمغرب. ونتيجة للمميزات الخاصة لهذه الحالة وبرغم من أن الأمر يتعلق برأي إستشاري فمن الواجب فهم حكم محكمة العدل الدولية كـ:…res judicata :لا يمكن تجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، حرمانه منه أو إضعافه بشكل من الأشكال من قبل أي جهاز أو هيئة تابعة للأمم المتحدة. ولذا إعترف مجلس الأمن في قراراته بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.

ومن جهة ثالثة عبرت محكمة العدل الدولية بصفة واضحة عن حق تقرير المصير و إعتبرت أنه ينطبق على "سكان" الصحراء الغربية وبالتالي فإن هذا الحق لا يخص " قادة " ، "حكام" أو "زعماء" الصحراء الغربية ولكن أساساً سكانها أي مجموع سكانها الأصليين.

رابعاً أعتبرت محكمة العدل الدولية في تفسيرها للقوانين العامة الخاصة بتقرير المصير، أن تلك القوانين تعبر عن "الضرورة الأساسية لأخذ بعين الاعتبار رغبات السكان المعنين" موضحة "أن قبول مبدأ تقرير المصير والمعروف كضرورة إحترام الارادة المعبر عنها بحرية من قبل السكان، لا يتأثر بكون الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تطالب بوجوب إستشارة سكان منطقة، إقليم أو أخر. و بالنسبنة للمحكمة " فإن بعض الاستثناءات تفسر على إعتبار أن بعض السكان لا يشكلون " شعباً " مؤهلاً ينطبق عليه مبدأ تقرير المصير نتيجة للإقتناع بأن الاستشارة قد تكون غير ضرورية في بعض الحالات الخاصة.

وفي الختام فإن الصحراء الغربية لم تشكل حسب محكمة العدل الدولية جزءاً من " الوحدة الترابية " للمغرب وبأنها مستعمرة يجب تصفية الاستعمار منها من خلال تنظيم " إستفتاء لتقرير المصير" يشارك فيه "السكان" الأصليين للاقليم.

محاولات تشويه القانون الدولي، عناوين خاطئة، سياسة الأمر الواقع والحرب.

لقد حاول المغرب بعد الحكم الحاسم لمحكمة العدل الدولية ألاستيلاء على الصحراء الغربية من خلال طريقين: الأولى تتجلى في محاولة الحصول على مبررات قانونية تلغي الحكم وهي مهمة فاشلة حتماً والثانية وهي بكل بساطة فرض الأمر الواقع باللجوء إلى القوة وقد إستعمل التكتكين في آن واحد غير أن ذلك أدى إلى تأثير مخالف وغير منتج بشكل كبير لصالح المغرب. و بالتالي فإن المبررات القانونية التي إستخدم لم تضمن له تشريع إستعمال القوة وهذا ما أعطى إمتيازا سياسيا أكبر لجبهة البوليساريو من ذلك الذي كانت تتوفر عليه في بداية الصراع.

1- لقد تجلى التكتيك المغربي الأول بعد هزيمة لاهاي في غزو الاقليم لفرض سياسة الأمر الواقع. وقد تم ذلك الغزو من مكانين و بإستعمال طريقتين مختلفتين في نفس الوقت: إحتلال الاقليم عسكرياً إنطلاقا من الحدود الشرقية و في نفس الوقت عن طريق "المسيرة الخضراء" من الحدود الغربية. وقد أصدر مجلس الأمن قرار 6 نوفمبر 1975 يطالب فيه من المغرب "بالسحب الفوري لكل المشاركين في المسيرة الخضراء من الاقليم".

2- لقد دفع الفشل الجديد المغرب إلى محاولة ربح مبررا قانونيا لاحتلاله من خلال إتفاقية مدريد 14 نوفمبر 1975. غير أن هذا المبرر الضعيف في أصله يتوفر على ثلاثة ميزات مهمة: أولاً لا يحول "السيادة " على الاقليم بل "الإدارة " فقط، ثانياً، هذا التحويل لا يتم إلى المغرب وحده بل إلى كيان ثلاثي (إسباينا، المغرب وموريتانيا)، ثالثا،ُ هذا التحويل لا يتم إلا لمدة زمنية محددة (إلى غاية 26 فبراير 1976) يصبح بعدها هذا الاتفاق لاغيا حتى ولو تحصل على شرعية دولية محولاً الوجود المغربي إلى وجود مصطنع. غير أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب فممارسة الأمم المتحدة لم تسمح له بذلك. فمن جهة فهي لازالت تعتبر أن نزاع الصحراء الغربية هو مسألة تصفية إستعمار وفي الواقع فإن الاقليم يوجد في لائحة الاقاليم الغير المستقلة ووضعيته القانونية تناقش بصفة دورية من قبل لجنة تصفية الاستعمار. ومن جهة ثانية وأرتباطاً مع النقطة السالفة وتماشياً مع البند 73 من ميثاق الأمم المتحدة فإنه يتوجب على القوة المديرة للأقليم المستعمر تقديم معلومات إلى الأمم المتحدة بخصوص الأقاليم ذات الطابع. فالبرغم أنه تم تسليم إدارة الاقليم إلى المغرب وموريتانيا تماشيا مع إتفاقيات مدريد ، فإن تقارير الأمين العام للأمم المتحدة (على الأقل ما بين 1976 و 1988) تلمح إلى موقف تخلي إسبانيا عن إدارة الاقليم لكنها لم تشير أبداً إلى موريتانيا(هذه الأخيرة إلى غاية 1979) كقوتين مديرتين للصحراء الغربية دون أن يعني ذلك في أية حالة الاعتراف بالسيادة على ذلك الاقليم ما دام يعتبر مؤهلاً لتصفية الاستعمار. ثالثاً تحدثت عدة قرارات للأمم المتحدة عن "الاحتلال المستمر" للصحراء الغربية من قبل المغرب وهذا يدل على الاعتراف بأن تواجده لا يتوفر على مبررات قانونية بل أساساً على الأمر الواقع. رابعاً يقول بصراحة حكم الأمين العام المساعد االمكلف بالشؤون القانونية في الأمم المتحدة وهو في نفس الوقت المستشار القانوني للمنظمة، السيد هانس كوريل في حكمه الصادر بتاريخ 29 يناير 2002، " إتفاق مدريد لم يسلم السيادة على الاقليم ولم يعطي لأي من موقعيه صفة القوة المديرة وهو أمر لم يكن بإمكان إسبانيا وحدها التصرف فيه بصفة إنفرادية " (النقطة السادسة من الحكم). وأخيراً فإن كل المخططات التي صادقت عليها الأمم المتحدة (سواء مخطط السلام لسنة 1990 ، إتفاقيات هيوستن المكملة له أو "مخطط بيكرالثاني" لسنة 2003) وحتى المتضمنة في "مخطط بيكر الاول" تتجاهل الاشارة له كلية.

3. و إنطلاقاً من وجهة النظر القانونية فإن تاريخ 27 فبراير يبرز كعنصرا جديداً إذ أستغل الفراغ القانوني لتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية التي نجحت في الحصول على إعتراف أكثر من 70 دولة بها ( البعض منها جمد أو سحب إعترافه بها فيما بعد) وقبلت كدولة عضو في منظمة الوحدة الافريقية وهي إحدى الدول المؤسسة للاحاد الافريقي . وقد نجمت عدة إنعكاسات عن ميلاد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة صحراوية تطالب بأن كل إقليم الصحراء الغربية الموجود في الحدود الدولية المعترف بها هي أراضيها. أولاً يمكن للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية إستعمال حقها في الدفاع الشرعي ضد المغرب الذي غزى أرضيها. كما أن مراقبة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بإستمرار لجزء من إقليم الصحراء الغربية كما حدث بدون إنقطاع منذ 1976 إلى غاية يومنا هذا (تراقب حالياً الاقليم الموجود شرق الجدار) يشرع لها حق الرد العسكري في حالة ما يحاول المغرب القيام بأي نشاط عسكري لاحتلال هذه المنطقة. ثانياُ كما أن وجود الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يمكن أن يفترض أن حل النزاع، الاستفتاء، لا يهدف فقط إلى إمكانية حصول الشعب الصحراوي "على دولة مستقلة وذات سيادة " مادامت هذه توجد فعلاً، بل سيشكل وسيلة تساعد السكان الصحروايين المحليين على إقرار ما إذا كانت الدولة، الموجودة فعلاً، أي الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية تريد الاندماج مع المغرب أو تفضل الاستمرار في الاستقلال مسترجعة المنطقة المحتلة من طرف المغرب.

4. لقد بحث المغرب بعد أشهر قليلة من إنقضاء إتفاقية مدريد (27 فبراير 1976) وتأسيس الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، عن تشريع جديد لاحتلاله من خلال توقيع إتفاقية دولية مع موريتانيا حول الحدود تتضمن تقسيم الاقليم. ويطلق عليها إتفاقية 14 ابريل 1976 و رسمياً "المعاهدة الخاصة برسم الحدود الدولية ما بين الجمهورية الاسلامية الموريتانية والمملكة المغربية" والتي دخلت حيز التنفيذ إبتداء من 10 نوفمبر 1976. وقد قسمت هذه المعاهدة الصحراء فأخذت موريتانيا الاقليم الجنوبي (وادي الذهب أي تيرس الغربية بالتحديد) والمغرب كل الاقليم الصحراوي شمال خط التقسيم المتفق عليه. إذ إتفق "الطرفان الموقعان بأن الحدود الدولية المرسومة بين الجمهورية الاسلامية الموريتانية والمملكة المغربية هي الخط المستقيم الذي يبدأ من نقطة تقاطع الشاطئ الأطلسي مع خط العرض 24 شمالاً ويتجه نحو نقطة التقاطع هذا الخط المستقيم مع حدود الجمهورية الاسلامية الموريتانية مشكلاً بذلك الحدود الجنوبية للمغرب".

غير أن هذه المعاهدة لا تعطي للمغرب التشريع القانوني الضروري للإستيلاء على الصحراء الغربية (أو على الأقل على أكبر جزءاً منها) بل تشكل نشاطا لا يسمح بالمواقف المنتهجة من طرف المغرب في فترات سابقة.

ومن جهة أخرى فإن الأمم المتحدة عارضت دمج الاقليم الناتج عن هذه المعاهدة. فالجمعية العامة للأمم المتحدة من جهتها و بعدما صادقت على هذه المعاهدة وصفت ما قام به المغرب في مناسبتين مختلفتين ب" إحتلال" " قابل لتنديد به". ومن جهة أخرى فإن قرارات مجلس الأمن (خصوصاً تلك التي صادق عليها: مخطط السلام 1990، إتفاقية هيوستن 1997 و"مخطط بيكر الثاني" لـ2003 ) تشير كلها إلى تصفية الاستعمار من إقليم الصحراء الغربية مما يدل على أنها لا تعترف لا بالتقسيم و لا بدمج الاقليم الناتج عن المعاهدة المغربية الموريتانية لسنة 1976 . ثالثاُ لم يشر المستشار القانوني للأمم المتحدة، هانس كوريل، في الحكم الذي أصدره بتاريخ 29 يناير 2002 إلى تلك المعاهدة عندما قام بتحليل التطور القانوني للقضية.

ومن جهة أخرى فإن المعاهدة المغربية الموريتانية لسنة 1976 لم تعط للمغرب التشريع القانوني الذي يريد بل تحولت ضد المواقف المغربية السابقة. وهكذا ولو أعتبرت معاهدة التقسيم لسنة 1976 مقبولة فذالك يعني أن إحتلال المغرب للجزء الجنوبي من الصحراء الذي تخلت عنه موريتانيا سنة 1979 سيكون "إستعمالاً للقوة " يخرق الشرعية الدولية ما دامت موريتانيا لم توقع إتفاقاً لتسليمه هذا الاقليم سنة 1979. كما أن المغرب خسر أيضا مصداقيته عندما عارض فرضية التقسيم كصيغة لحل النزاع في حين أن هذا البلد نفسه قد إنتهجه سنة 1976. و المغرب الذي وقع سنة 1976 إتفاقا حول "رسم الحدود الدولية" مع موريتانيا واضعا حدوده الجنوبية عند الخط الذي يبدأ من نقطة شمال الداخلة، لا يمكنه تبرير إنتماء هذا الجزء من الصحراء إلى "وحدته الترابية" ما دام لم يندد بتلك الاتفاقية.

5. كما أن المبرر القانوني الواضح الذي تتبناه البوليساريو أي حق تقرير المصير للصحراء الغربية لم يمكن تطبيقه نتيجة للاحتلال المغربي لجزء كبير من هذا الاقليم. و حرب الصحراء التي بدأت في نهاية 1975 وإستمرت إلى سبتمبر 1991 لم تساعد المغرب على إحتلال كل الاقليم ولا على طرد المغرب من الصحراء المحتلة. وقد بدأت هذه الحرب حوالى سنتين بعد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب أي عندما كانت تلك الحركة ضعيفة. غير أن إحتلال الاقليم والحرب التي تلته بعد ذلك حولت جبهة البوليساريو إلى طرف سياسي أكثر أهمية مما كانت عليه قبل ذلك. فمن جهة إستطاعت هزيمة موريتانيا عسكرياً مما جعلها تشكل عنصراً مهماً في تحديد السياسة الخارجية الموريتانية وهي الدولة التي تتوفر على أطول حدود مع الصحراء الغربية. و من جهة أخرى سيطرت جبهة البوليساريو على الجيش المغربي الذي لم يستطيع السيطرة إلا تدريجيا على الاقليم إبتداءا من سنة 1980 من خلال بناء الاحزمة الدفاعية التى إنتهى منها سنة 1987. كما أن الهزائم التي ألحقت بالجيش المغربي قبل بناء الاحزمة و حرب الاستنزاف التى إتبعت بعد ذلك ( الاصعب بالنسبة للمغرب من البوليساريو) أعطيا للبوليساريو وزنا سياسيا أكثر من ذلك الذي كانت تتمتع به عند بداية النزاع.

عرقلة الحلول القانونية و السياسية. محاولة الحل الوسط بين الحل القانوني و السياسيى: مخطط السلام و إتفاقيات هيوستن

أدى إتمام بناء الاحزمة الدفاعية و تحويل النزاع إلى حرب إستنزاف إلى وضعية جعلت من الممكن البحث عن حل وسط. فالبوليساريو تتمتع من جهة بمبرر قانوني غير قابل للنقاش و وسيلة ضغط سياسي و هي العودة إلى الحرب و المغرب من جهته، حتى ولو كان يفتقر إلى مبررات قانونية مقبولة، يتوفر على موقف سياسي مسيطر ما دام قد ضمن عزل أكبر جزء من الاقليم ضد الهجومات المسلحة للصحراويين (التي أصبحت كلها خارج الاحزمة بعد الانتهاء منها). ففي هذه الظروف برزت فكرة التفاوض لحل النزاع في صيغة أن الطرف (المغرب) الذي قدم جزءاً من سيطرته السياسية (دخول المينورصو المنطقة وتقبل إمكانية خسارة الاقليم الذي يحتل في حالة ما يؤدي الاستفتاء إلى الاستقلال) مقابل أن الطرف الأخر (البوليساريو) يخفف من الحاحه الناتج عن مبرره القانوني (مراجعة الاحصاء الاسباني لسنة 1974 وقبول إمكانية أن التصويت يمكن أن لا يؤدي إلى الاستقلال أو لا، بل يكون الخيار هو الاستقلال أو الانضمام إلى المغرب لاغياً بذلك إمكانيات أخرى مثل الاندماج مع إسبانيا أو موريتانيا) حتى لو أدى ذلك إلى التخلي عن أدواره السياسية (قبول وقف إطلاق النار).

لقد توجت هذه المفاوضات بمخطط السلام للوحدة الافريقية الذي تبنت الأمم المتحدة سنة 1991. فمخطط السلام هذا هو مجموعة نصوص لسنة 1990 (أهم جزء من المخطط )، 1997 (إتفاقيات هيوستن) و1999 (النصوص المتفق عليها لتنظيم الطعون، الاحصاء وقضايا أخرى).

لقد تمت المصادقة على أهم جزء من المخطط سنتي 1990 و1991. وتطالب مختلف قرارات مجلس الأمن التي تصادق على هذه النصوص الأطراف "التعاون كلية" من أجل وضع حيز التنفيذ مخطط السلام الذي قبلته الاطراف. غير أن المغرب تحفظ على مخطط السلام (أكبر جزء منه) بهدف محاولة تحسين موقفه القانوني (محاولة دمج في الاحصاء أكبر عدد ممكن من المغاربة) في الوقت الذي يحاول إضعاف موقف الطرف الاخر ضاغطاً من أجل تجميد أو سحب بعض الدول إعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

ويتضح أنه تم حل تلك الخلافات من خلال نص ثاني يكمل مخطط السلام لسنتي 1990 و1991 و إتفاقيات هيوستن لسنة 1997 التي قبلتها الأطراف وصادق عليها مجلس الأمن الذي طلب من الاطراف "مواصلة تعاونها البناء مع منظمة الأمم المتحدة من خلال التطبيق الكامل لمخطط السلام وإتفاقيات هيوستن.

إستمر مسلسل السلام في مواجهة العراقيل خصوصاً من حيث ثلاثة أوجه: الاحصاء، الوضعية القانوينة للقوات العسكرية الموجودة واللاجئين. غير أن جولة جديدة من المفاوضات أدت إلى مجموعة ثالثة من النصوص تشكل جسم مخطط السلام وتحل مختلف النزاعات حول الاحصاء. وتتشكل هذه المجموعة الثالثة من النصوص من بروتكول حول تحديد هوية القبائل المتنازع عليها، توجيهات عملية خاصة بتحديد هوية أفراد هذه القبائل وتوجيهات تتعلق بدراسة طعون الاحصاء.

إستمرتطبيق مخطط السلام بنجاح. ففي ديسمبر 1999 أستكمل وضع الاحصاء الانتخابي الجديد. وفي 17 يناير 2000 نشرت اللائحة المؤقتة للمصوتين التي تبنت كصحراوين يحق لهم التصويت 86.381 شخص من بين مجموع 198.469 مترشح تقدموا إلى لجان تحديد الهوية. وقد كان الاحصاء الجديد الذي وضعت الأمم المتحدة جد مشابه للاحصاء الاسباني لسنة 1974 مما كذب إتهامات الانحياز التي عبر عنها المغرب ضد الاحصاء الاسباني. فالاحصاء الجديد رفض بشكل قطعي كصحراوين عشرات الالآف من المغاربة الذين طلبوا دمجهم فيه و هذه النتيجة تعني أن الاستفتاء سيؤدي حتمياً إلى إستقلال الاقليم.

محاولات المغرب إستغلال إمتيازه للبحث عن "حل سياسي" على هامش القانون ولكن يزكيه في نفس الوقت "مخطط بيكر الأول"

1. لقد أدت إمكانية فشل المغرب في الاستفتاء في ظل سلبية الأمم المتحدة بهذا البلد إلى عرقلة الاستفتاء والتخلي عن الحلول الوسطى المتضمنة في مخطط السلام وإتفاقيات هيوستن جاعلاً في وضعية ضعف كلما طالبت به القرارات 658، 690،725 و1133 لمجلس الأمن والتي طالبت كلها الأطراف "بالتعاون كلية" من أجل وضع "حيز التنفيذ" مخطط السلام . العرقلة تمت في البداية عندما قدم المغرب 120 الف طعن (و التي لا تشكل عرقلة " قانونية " ما دامت الأطراف قد وافقت على إجراء معالجتها ولا عرقلة "سياسية " ما دامت قد تم التوصل إلى نتائج ملموسة كبيرة خلال سنتين فقط) وأعلن بعد ذلك أن المسلسل قد تجاوزته الأحداث. والمشكل الحقيقي هو السلبية "السياسية" للمغرب بخصوص إستمرار تطبيق مخطط قد يؤدي إلى الاستقلال في الوقت الذي يعني ذلك إضعافا "للقانون".

فالمغرب الذي خرق نص وروح نصوص القرارات إدعى أن كل هذه الطعون قد تم قبولها وتقييمها مما يفترض في الحقيقة الشروع من جديد في مسلسل تحديد الهوية (وهو أمر رفضه مجلس الأمن في قراره 1238) وكذلك تراجعاً مهماً في مسار تنظيم الاستفتاء. المسألة قانونيا واضحة: الأغلبية الساحقة من هذه الطعون لا تستجيب لمتطلبات الاتفاقيات الموقعة من قبل الطرفان في إتفاقيات نيويورك سنة 1999 ليتم تقبلها بعد ذلك. ففي الطعون لا يشار إلى "الظروف، الأحداث الجديدة أو أي عنصر برهنة" لم يتم التعرف عليه من قبل لجان تحديد الهوية خلال المرحلة الأولى والتي قد تستعمل لتبرير قبول قرار التسجيل في الطعون. والأمين العام نفسه إعترف أن حل مشكل الطعون يتم بشكل إجمالي أو إستثنائي.

فالأمم المتحدة التي بدلاً من معاقبة المغرب على عدم تطبيق قرارات مجلس الأمن التي تشترط عليه "التعاون كلية" من أجل وضع "حيز التنفيذ" مخطط السلام لم ترد على التمرد القانوني المغربي. فبدلاً من التنديد بهذه العرقلة وإستعمال الميكنزمات الموجودة في ميثاق الأمم المتحدة لفرض عليه الالتزام بتعهداته، أعطى الأمين العام للنزاع تحولا مفاجئا عندما طالب بالتعليق غير المحدد زمنيا لمخطط السلام (خصوصاً الاستفتاء) وفتح الباب أمام ما سمي بـ"الحل الثالث". وقد قدم الأمين العام في 17 فبراير 2002 في تقريره تفسيراً تميز بتأكيد غير مقبول وهو أنه في حالة تنظيم الاستفتاء فإن "واحد من الأطراف"( تلميحا إلى المغرب) يرفض النتيجة و أنه لا توجد صيغة قصرية ضده في مخطط السلام. كما يتضح أنه لا يمكن التوفر عليها.

أعتقد أن هذا التفسير خاطئ لأنه في حالة ما لا توجد صيغة قصرية في مخطط السلام فإن ذلك راجع إلى سبب بسيط و هو أن ذلك الميكانيزم موجود فعلا في البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يسمح، بما في ذلك، بإستعمال القوة لضمان إحترام النتيجة المحتملة للاستفتاء. و إنطلاقا من هذا الموقف القابل بكل تأكيد للنقاش إعتبر الامين العام للامم المتحدة أن مخطط السلام قد فشل و إقترح تنظيم مفاوضات مباشرة جديدة بين الاطراف بوساطة من جيمس بيكر الثالث قصد التوصل إلى نوع أخر من الحلول. غير أن هذه المفاوضات التي نظمت بعد ذلك في برلين لم تتوصل إلى أي إتفاق إلا أن المغرب إستطاع تقديم إقتراحه الخاص ب"حل سياسي" يتطابق بشكل كبير مع ما سمي "بمشروع الحل الاطار" الذي تقدم به جيمس بيكر سنة 2001 و المعروف تحت إسم " مخطط بيكر الاول" غير أنه يتضح أن صياغة ذلك المشروع هي تأليف من صنع رجل قانون فرنسي في خدمة المغرب أكثر مما هو من إعداد بيكر نفسه.

و تمكن دراسة المسلسل و التبرير اللذين أديا إلي صياغة مشروع " المخطط الاطار"، من إبراز عدة نقاط غامضة و غير مقنعة. أولا لآن السبب الذي قدم الامين العام للامم المتحدة لتبرير فشل مخطط السلام هو أنه أي المخطط ليس إلا " لعبة مجموع نتيجتها صفر" حيث أن الاطراف إما أن تربح الكل أو تخسر الكل. إلا أنه يمكن التساؤل الان: أليست تلك هي قواعد اللعبة التي وافقت عليها الاطراف؟ إذن لماذا تغييرها؟ ويمكن الذهاب إلى أبعد من هذا الحد. فإذا كان فشل المخطط يرجع إلى دورانه حول بديلين "مجموعهما صفر" ( الاستقلال أو الانضمام) فيجب على عنان و بيكر أن يجيبا على هذا السوال: إقتراح "الحكم الذاتي" المتضمن في " الاتفاق الاطار" الذي أقترح لتعويض مخطط السلام ألا يعني إفتراض قبول أحد البديلين ذات "المجموع صفر" أي الانضمام؟ و إذا كان الامر هكذا فلماذا ألغي مخطط السلام و قبل " الاتفاق الاطار"؟

و في الواجهة الثانية و رجوعا لما سبق التطرق إليه في تقاريره السابقة، فإن الامين العام يشير إلى المغرب ك" قوة مديرة ". و من الواضح أن هذا التلميح ليس بريئا ذلك أنه خاطئ و يتسبب في الكثير من التناقضات الخطيرة. (أ) في البداية فإن تقارير الامين العام التي تعطي للمغرب الصفة الشرعية " للقوة المديرة " تضعه في تناقض واضح مع مذهب الجمعية العامة للامم المتحدة كما عبرت عن ذلك بوضوح في القرار 3458أ (XXX) الصادر بتاريخ 10 ديسمبر 1975 ( الذي يشير بعد الرجوع إلي إتفاقية مدريد إلى إسبانيا كالقوة المديرة الوحيدة) و كذلك الشأن في القرارات 3734 (1979) و 1.935 ( 1980) و هي كلها قرارات للجمعية العامة تعتبر أن ما قام به المغرب هو "إحتلال" يجب التنديد به. (ب) من جهة أخرى ففي حالة ما يكون المغرب هو " القوة المديرة " للاقليم فلماذا لا يطبق إذن ما ينص عليه البند 73 (ه) من ميثاق الامم المتحدة الذي يلزم القوى المديرة للاقاليم المستعمرة التقرير عن الحالة في تلك الاقاليم. و في حالة ما لا يقوم بذلك "كقوة مديرة " فلماذا لا يطالبه عنان بذلك؟ (ج) و أخيرا و لكن ليس الاقل أهمية كيف يمكن وصف المغرب ب"القوة المديرة " ل"إقليم" في إلوقت الذي لا يحتل كل الاقليم؟ ماذا سيحدث مع المنطقة الموجودة شرق الحزام و التي توجد في الوقت الحالي تحت سيادة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية؟ فهل سيدعي كذلك إخضاعها للمغرب؟

و من جهة أخرى إدعا الامين العام، كمبرر للتخلي عن مخطط السلام، أن سبب فشله يرجع إلى أن الاطراف لم تتقدم بمقتراحات و أنه كان على الامم المتحدة نفسها تقديم مبادرات فاتحة بذلك مسلسل نقاش بينها و بالتالى تخلت عن اللعبة التى حصيلة مجموعها صفر ( لا غالب و مغلوب). و الان أليس مشروع الاتفاق الاطار هو مبادرة من الامم المتحدة؟ و ما هي المعجزة وراء عدم سقوط هذه المبادرة في نفس الفشل الذي واجه مخطط السلام؟ و لماذا " يتضح" أن هذا المشروع هو حصيلة مبادرة من الامم المتحدة؟ و إذا لم يكن من الامم المتحدة فهل هو من المغرب أم الامين العام؟ ففي حالة ما نكون أمام مبادرة محتملة من الامم المتحدة فإننا سنجد أنفسنا أمام أمرا يدفعنا إلى الانشغال كثيرا بالمصداقية، الضعيفة، للامم المتحدة.

و من المثير للانتباه كذلك التقدير الديبلوماسي الضعيف الذي يعطي الامين العام لمبادرات جبهة البوليساريو، الضحية الاولى للاحتلال، خلافا للاهمية التي يحظي بها المحتل لديه. لقد أكد الامين العام أن المقترحات المقدمة من قبل البوليساريو للخروج من وضعية المأزق الذي يجتاز مخطط السلام لا يمكن أخذها بعين الاعتبار لانها تتطلب قبولها من قبل المغرب، نشاطا من قبل مجلس الامن أو إستفسارات لاحقة. ولكن ما الذي حدث مع مشروع الاتفاق الاطار نفسه؟ و في هذه الحالة ألم يكن هو الاخر يتطلب موافقة البوليساريو؟ نفس الامين العام يقول نعم. و في هذه الحالة أيضا ألسنا من جديد في حاجة إلى توضيحات لاحقة؟ و يقول الامين العام أن المقترح قدم من أجل مناقشته. و في هذه الحالة ألم يشترط أن تحقيق الاتفاق الاطار يحظي بدعم عضوين دائمين في مجلس الامن(الولايات المتحدة و فرنسا). و في حالة ما يكون كل الامر هكذا فلماذا يقلل الامين العام من قيمة مقترحات البوليساريو الخاصة بمخطط السلام في الوقت الذي تقبل مشروع الاتفاق الاطار؟

2- ولكن في الوقت الذي يثير المسلسل الذي أدى إلى مشروع "الاتفاق الاطار" العديد من الشكوك الغامضة فإن محتوى نفس الاتفاق الاطار المقترح يثير الكثير من الاستغراب. المشكلات كانت أساسا إثنتين : تقديم كبداية ما كان يجب أن يكون خاتمة للمسلسل و إعتبار كخاتمة للمسلسل ما كان يجب إعتباره بدايته.

في البداية فإن محتوى كل نص الاتفاق الاطار قدم كشئ تمت مسبقا البرهنة عليه ما يجب حقيقة البرهنة عليه مقدما ك" بداية " ما يمكن أن يكون " خاتمة ". أى أنه إنطلق من بداية ( سابقة) تدعى أنه تمت البرهنة و قبول ( أن الصحراء الغربية هي إقليم خاضع للسيادة المغربية) غير أن هذا إدعأء لم تتم البرهنة عليه أو قبوله ( هذه السيادة غير معترف بها لا من قبل الامم المتحدة و لا من طرف الدول الاخرى). كما لا يمكن كذلك البرهنة عليه مستقبليا إلا بعد تنظيم إستفتاءا لتقرير المصير يقرر بموجبه الشعب الصحراوي الاندماج مع المغرب. لقد إدعى الامين العام أن الاطراف وافقت على الاتفاق الاطار من خلال مفاوضات مع ممثليها. كما أن محتوى نفس الاتفاق الاطار يتضمن الاندماج مع المغرب و هذا يشترط ايضا ممارسة حق تقرير المصير. لان الشعب المستعمر، كما هو معروف في تجارب تصفية الاستعمار عن طريق تقرير المصير، يتمتع بعدة خيارات: التحول إلى دولة مستقلة و ذات سيادة، الاشتراك بصفة حرة مع دولة مستقلة أخرى أو الاندماج الكلي في دولة أخرى مستقلة أو قبول أية وضعية سياسية أخرى ( وضعية قانونية). و تجسيد هذه البداية المرتبطة حتميا بهذا المشروع ( هذا ما يمكن إستخلاصه، بالضرورة، من نقطتين من الاتفاق الاطار) شكل مصدر تناقضات صعبة التجاوز كما ولو كان ذلك هو المخرج الوحيد.

ومن جهة أخرى أقر المخطط الجديد أن المملكة المغربية ستتوفر على "صلاحية إستثنائية " في "حماية الوحدة الترابية للاقليم ضد المحاولات الانفصالية التى قد تصدر من داخل أو خارج الاقليم". ّ إلا أن الصحراء الغربية يمكن فقط أن تشكل جزءا من " الوحدة الترابية " المغربية إذا لم يكن الاقليم مستعمرا بل إقليم خاضع للسيادة المغربية. في حين أن ما يميز "مستعمرة " هو أنها لا تشكل حقيقة جزءا من " الوحدة الترابية" لدولة. إلا أنه في حالة ما يشكل إدعاءا إستعماريا تهديدا للوحدة الترابية لدولة فإن مبدأ تقرير المصير سيصبح غير قابل للتطبيق في هذا الحالة الخاصة. وفي الوقت الذي تم فيه تأكيد حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، في مناسبات محتلفة، في العديد من قرارات للجمعية العامة للامم المتحدة، مجلس الامن و حكم محكمة العدل الدولية فإن الاتفاق الاطار يعارض كل القانون الدولي المعاصر المعمول به.

و من جهة أخرى تم تأكيد بأن " كل القوانيين المصادق عليها من قبل الجمعية الصحراوية المنتخبة و كل قرارات القضاة (….) يجب إحترامها و أن تتطابق مع دستور المملكة المغربية . غير أنه لا تمكن المطالبة بتفوق الدستور المغربي على قانون الصحراء الغربية إلا في حالة إعتبار أن هذا الاقليم خاضع للسيادة المغربية ما دام الدستور هو التعبير القانوني عن السيادة. خصوصا أن ما يميز مستعمرة هو أن النظام القانوني التشريعي للدولة المديرة لا يمكن تطبيقه بشكل مطلق على المستعمرة لان الامر لا يتعلق بإقليم يتمتع بالسيادة الكاملة ( الامر لا يتعلق بالسيادة " الداخلية" في الوقت الذي "خارجيا" يخضع لسيطرة هذه الدولة).

و في الاخير يحق لنا التساؤل كيف كان بالامكان التوفيق من جهة بين تأكيد تقارير الامين العام الاخيرة أن المغرب هو " قوة مديرة" للاقليم ( و هذا ما يعني بالضرورة إعتبار الاقليم مستعمرة ) و سابقة الاتفاق الاطار من جهة أخرى و الذي يتضمن إعتبار الاقليم جزءا من " الوحدة الترابية " المغربية وبالتالي إقليما خاضعا للسيادة المغربية.

غير أن الاتفاق الاطار يشكل صعوبة ثانية تتمثل في تقديمه كخلاصة للمسلسل ما يمكن فقط إعتباره بدايته. فالنتيجة النهائية لمسلسل تصفية الاستعمار عن طريق تقرير المصير يمكن أن تكون متنوعة ( الاندماج، الاستقلال أو الاشتراك). إلا أن القوانيين العامة الخاصة بتصفية الاستعمار تتبني جميعها طريقة واحدة من أجل تحقيقها. و هكذا فإن الاشتراك يجب أن يكون نتيجة " لاختيار حر و إرادي لسكان الاقليم الذي يتعلق به الامر، معبرا عنه بأساليب ديمقراطية. و الاندماج يجب أن ينتج عن " الرغبة المعبر عنها بصفة حرة من قبل سكان الاقليم الواعون بتغيير وضعيتهم القانونية" مع تحقيق ذلك الاختيار عن طريق " أساليب ديمقراطية….مطبقة بصفة محايدة و تعتمد على الاقتراع العام الذي يشارك فيه البالغون" ما دام بإمكان الامم المتحدة مراقبة تطبيق هذه الاساليب و خلق دولة مستقلة أو الحصول على أية وضعية قانونية أخرى عن طريق " إختيارحر و مقرر من قبل السكان".

و بقدر ما يقر مشروع الاتفاق الاطار بأن " الوضعية القانونية ستخضع لاستفتاء يمكن أن يشارك فيه الناخبون المؤهلون في التاريخ الذي ستـتفق عليه الاطراف في أجال خمسة سنوات إبتداءا من تاريخ دخول الاجراءات الاولية للاتفاق الحالي حيز التنفيذ، حيث أنه لم يتم الاعتراف بأن الوضعية القانونية الجديدة للاقليم لن تكون سواء نتيجة للرغبات المعبر عنها بصفة حرة من قبل السكان المحليين للاقليم.

الاتفاق الاطار لم يحدد فقط الوضعية القانونية للاقليم واضعا القوانيين العامة للقانون الدولي العام في وضعية ضعف فيما يتعلق بهذه الحالة الخاصة بالضبط، بل يقر إستفتاءا يجعل من المستحيل تطبيق حق تقرير المصير. و هذا ما تمت البرهنة عليه من خلال تحليل الاتفاق الاطار نفسه. فمن جهة لانه يؤهل " للتصويت في الاستفتاء السكان الذين قطنوا بصفة مستمرة في الصحراء الغربية خلال السنة السابقة مما ترك الباب مفتوحا أمام التزوير من خلال تبني المستوطنيين المغاربة كمصويتين. و من جهة أخرى فإن إعتبار " أن الوضعية القانونية للصحراء الغربية ستخضع لاستفتاء يمكن أن يشارك فيه الناخبون المؤهلون في التاريخ الذي تتفق عليه الاطراف في هذا الاتفاق في أجال خمسة سنوات إبتداءا من تاريخ دخول الاجراءات الاولية حييز التنفيذ"، سيشكل الكثير من الشكوك الجدية حتى فيما يتعلق بإمكانية طرح إختيار الاستقلال. و لا يمكن الدفاع في الاستفتاء المحتمل، في ظل الاتفاق الاطار والدستور المغربي، إلا عن خيارين: الأول المحافظة على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أو "عدم المحافظة على الحكم الذاتي" ولا يمكن إعتبار هذا الاختيار الأخير إلا "إندماجا كليا" إذ يتضح أنه لا يمكن الدفاع عن خيار الاستقلال ما دام يعطي للمغرب الصلاحية الاستثنائية في "حماية الوحدة الترابية ضد المحاولات الانفصالية التي يمكن أن تصدر من داخل أو خارج الاقليم" في وقت يكون فيه الاقليم خاضعا لدستور يمثل فيه الملك "السلطة العليا للأمة، رمز الوحدة وحامي إستمرارية الدولة (….) ضامن (….) الوحد الترابية للمملكة في حدودها الأصلية". وبصفة قطعية فإن التأكيد الذي قدم الأمين العام في تقريره بأن الاتفاق الاطار المقترح "يهدف إلى التوصل إلى حل سريع دائم ونهائي لنزاع الصحراء الغربية بصفة لا تستثني التعبير الحر بل يسهله، خاطئ. وبالتالي فإن التأكيد المعلن عنه في قرار مجلس الأمن قابل هو الآخر للرفض (ولكن ليس في جزئه القانوني) ما دام يقدم حرية التفاوض حول الاتفاق الاطار (إلا أنه لم يصادق عليه) مادام "يخول تفويضاً مهماً للسلطة ولا يلغي التعبير الحر بل يتضمنه".

1 – و بخلاصة فإن الرفض المغربي " للقانون" (تطبيق الشرعية الدولية المعمول بها أي مبدأ تقرير المصير الذي طالبت به محكمة العدل الدولية، الجمعية العامة ومجلس الأمن) أدى إلى هجوم سياسي هادف إلى تبديل ذلك الحق بـ"حل سياسي" ( بمعنى التوصل إلى إتفاق بين القادة المعنين دون اللجؤ إلى الاستفتاء) قد يعطي "حكماً ذاتياً موسعاً في" إطار السيادة المغربية". وقد حظي هذا الهجوم بتواطئ الأمين العام للأمم المتحدة الذي قدم بتاريخ 31 ماي 2001 هذا "الحل السياسي" (المسمى من قبل البعض ب"الحل الثالث") وجسده في "مشروع الاتفاق الاطار" العروف أيضا بـ "مخطط بيكر الأول". غير أن محاولة المغرب تحريف الشرعية الدولية المعمول بها فشلت عندما رفض مجلس الأمن في قراره 1429 بتاريخ 30 أجويلية 2002 " حلا سياسيا" لا يساعد على " تقرير المصير".

و إبتداءا من ذلك التاريخ سدت طريق "الحل السياسي" التى إدعي المغرب. ذلك أن الطريق الوحيد لابطال مخطط السلام هو "تسوية " عن طريق التوصل إلى صيغة تتضمن الامكانيتين معا: "إتفاق سياسي" يعطي للصحراء حكما ذاتيا تحت السيطرة المغربية كما تدعي المملكة العلوية و يقدم في نفس الوقت إمكانية تقرير مصير الاقليم كما تريد جبهة البوليساريو. و هذا ما تجلي عمليا في " مخطط بيكر الثاني".

طرق الحل الموجودة: الادارة المباشرة من قبل الامم المتحدة و التقسيم

يشكل " إقتراح الاتفاق الاطار أو" مخطط بيكر الاول" كما يوصف بذلك إلحاقا بكل بساطة لاقليم الصحراء الغربية بالمغرب. و كما تمت الاشارة إلى ذلك فإنه لا يقدم سوى ما يفترض أن يكون حكما ذاتيا سيكون حتما ضعيفا و يفتقد إلى أدنى الضمانات. و لذلك فليس من الغريب أن ترفضه كل من جبهة البوليساريو و الجزائر. لقد أصبح إذن الوضع أمام مأزق : مخطط السلام (المصادق عليه من قبل مجلس الأمن) كان هو الحل الوحيد المقبول من قبل الطرفين إلا أن المغرب تنكر لتعهداته، و "مخطط بيكر الأول" (لم يصادق عليه مجلس الأمن) لم يساعد على التوصل إلى أي حل مقبول من قبل طرفين. ومن أجل تجاوز المأزق تم إستكشاف حلين ممكنين: الإدارة المباشرة للاقليم من قبل الأمم المتحدة والتقسييم.

1. لقد تم إقتراح الإدارة المباشرة للإقليم من قبل الأمم المتحدة، من طرف الجزائر في جوابها على "مخطط بيكر الأول". وكان رد الجزائر هو أنه ما دام يوجد حل مقبول من قبل الطرفين (مخطط السلام) ومصادق عليه من قبل الأمم المتحدة وما دامت العراقيل ناتجة عن خلافاتهما حول تطبيقه فإن الأنسب هو أن تتكفل الأمم المتحدة وبشكل كامل بوضع مخططها حييز التنفيذ (أي مخطط السلام). لقد قدمت الجزائر الكثير من التفاصيل في مقترحها هذا. وكان المحور الرئيسي هو أنه توجد مرحلة إنتقالية قصيرة قبل الاستفتاء يمكن أن يوضع إقليم الصحراء الغربية خلالها "تحت سلطة و إدارة الأمم المتحدة بصفة إستثنائية ". وهكذا يمكن تقوية الثقة بين الطرفين ما دام الأمن العام وتنظيم الاستفتاء لن يشرف عليهما أي من الطرفين، بل طرف ثالث.
لقد رفض الاقتراح الجزائري دون الكثير من الشروح من قبل الأمين العام رغم أنه الاقتراح الوحيد، حقيقة، الذي يجسد حلاً (على الأقل مؤقتاً) دون غالب أو مغلوب. وفي حالة مغادرة المغرب الأقليم فإنه لن يمكن للبوليساريو إحتلاله ما دامت قوات الطرفين تتمركز حسب ما حدده مخطط السلام.

3. الاقتراح الآخر للحل لم تتقدم به الأطراف بل أتى رسميا من كوفي عنان و جيمس بيكر نفسه سنة 2002. و الامر يتعلق هنا بإمكانية تقسيم الاقليم. و بصفة ملموسة أكد الامين العام للامم المتحدة بأنه " يمكن لمجلس الامن طلب من مبعوثي الخاص تحديد مع الاطراف و لاخر مرة ما إذا كانت مستعدة لدراسة تحت رعايته و عن طريق مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، إمكانية تقسيم الاقليم مع عدم إقرار أي شئ حتى تتم الموافقة عليه. و في حالة ما يميل مجلس الامن لهذا الاختيار وفي حالة ما تكون الاطراف غير مستعدة أو لم تستطيع للتوصل، قبل الفاتح نوفمبر 2002، إلى حل حول تقسيم الاقليم سيمكن كذلك طلب من ممثلي الشخصي تقديم لاحقا إقتراحا لتقسيم الاقليم إلى مجلس الامن. و بعد ذلك يعرض مجلس الامن الاقتراح على الاطراف على أساس أنه لن يخضع للتفاوض. و هذا الشكل من البحث عن حل سياسي يعطي لكل واحد من الاطراف شيئا مما يريد و لكن ليس الكل و يتماشئ مع سابقة التقيسم الماضية ولكن ليس بالضرورة حسب نفس التسويات الاقليمية مثل تقسيم 1976 ما بين المغرب و موريتانيا.

لقد كان بالامكان أن تكون أطروحة التقسييم مهمة في حالة ما ترضي الاطراف المعنية في النزاع: المغرب سيبقى في المنطقة التي أنفق عليها الكثير، فرنسا نتيجة أن حليفها سيحافظ على الأقل على الجزء الذي يحتل، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية لأنها في النهاية سترى تجسيدا لوجودها من قبل المنظومة الدولية، الجزائر لأنها ستضمن تخفيف الضغط الجيو-الاستراتيجي على حدودها الجنوبية الغربية، موريتانيا لأنها بفقدانها حدودها مع المغرب سترى وجودها مضموناً أمام المملكة المغربية من خلال وجود دولة "دولة عازلة "، الولايات المتحدة ستضمن السلام في المغرب العربي وستختفي العراقيل أمام خلق سوق مغاربي واحد كبير وأخيراً إسبانيا ستضمن التوصل إلى نجاح نسبي لتصفية الاستعمار وسينفتح أمامها مجال إجتماعي إقتصادي في التعاون مع الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

والآن يمكن القول أن التقسييم شكل فرضية غير خالية من المشكلات. فالصعوبة الأولى والأساسية هي ما هي المنطقة التي ستناسب كل واحد من الطرفين . وبالرغم من أن وسائل الإعلام قدمت التقسيم كذلك الذي حدث سنة 1976 بين المغرب وموريتانيا، فإن قراءة لمجمل تقرير الأمين العام تبرز أن إلاقتراح الأممي للتسوية الاقليمية لن يتم بالضرورة مثل ذلك الذي حدث سنة 1976 و من المنطق أن يكون كذلك. فتقسيم الاقليم بين المغرب والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية قد يكون غير مرغوب فيه نتيجة لعدة أسباب. فهو يعني أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ستخسر جزءاً كبيراً من الاقليم الذي تسيطر عليه، أي ذلك الذي يوجد شرق الحزام شمال خط التقسيم المغربي الموريتاني. والسبب الثاني هو أن الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ستفقد حدودها مع الجزائر وهذا ما يعني أن إدعاء أن الجزائر تبحث عن مخرج للمحيط الأطلسي من خلال الجمهورية العربية الحصراوية الديقمراطية، سيفقد كل معناه. والسبب الثالث يعني أن المغرب سيحتفظ بإقليم القبيلة التي تكن له أكثر عداوة من بين قبائل الصحراء الغربية، أي أرقيبات. وبالتالي ومن أجل أن يحظى التقسيم المحتمل بأقل الامكانيات والاعتبار فإن ذلك يتطلب أن خط التقسيم بين المغرب والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية يكون مخالفا لخط التقسيم لسنة 1976. أولاً يجب توسيع خط التقسيم لسنة 1976 في إتجاه الشمال الشرقي لكي تشمل الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في المستقبل كل المناطق المحررة التي تسيطر عليها. فلا يمكن تقبل أن المناطق المحررة التي توجد حالاً في الجمهورية العربية الصحراوية الديقمراطية والتي تعتبر رمزاً مهماً مثل بئر لحلو (مكان إعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وهو عاصمتها المؤقتة) أو التفاريتي (حيث إنعقد المؤتمر الحادي عشر لجبهة البوليساريو) تبقى في أيادي المغرب وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية أن تحافظ بها على حدود مشتركة مع الجزائر. ومن جهة أخرى يجب توسيع الحدود الشرقية بين الجمهورية العربية الصحراوية الديقمراطية نحو الغرب ففي حالة ما لا يحظى إقليم الجمهورية العربية الصحراوية الديقمراطية بالعيون فإنه سيكون بإمكانه التوفر على السمارة كعاصمة روحية للاقليم توجد هي الاخرى في منطقة للرقيبات ويمكن تحويلها لاحقاً إلى عاصمة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. ومن جهة أخرى يجب نقل خط الحدود نحو الشمال ليضم مدينة بوجدور ويقسم منطقة بوكراع لتستطيع الدولتان الاستفادة معاً وبصفة متساوية من الفوسفات والخيرات البحرية. كما أن هذا الخيار الاخير سيكون أمراً مهماً من أجل ضمان جوارللجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية مع جزر الكناري ولذلك يجب عليها أن تتوفر على بوجدور.
الاشكالية الثانية التي يقدم التقسيم هي أنه يجب، لكي يصبح شرعياُ، أن يصادق عليه من خلال إستفتاء وبالتالي فإن هذا الاخير مهم جداً من أجل إنهاء تصفية الاستعمار.

المشكل الثالث ذات طابع سياسي لأن التقسيم يمكن أن يزيد من حدة الشعور الوطني الصحراوي الذي جرح بعد معاهدة 1912 التي حرمت الصحراء الغربية من الاقليم الموجود بين خط المستوى 27.40 و واد درعة ومنحته لسلطان المغرب (الذي لم يمتلكه أبداً من قبل). وبالتالي فالتقسيم قد يشكل بترا أخرا لجزء من إقليم الصحراء.





فشل محاولة التملص من القانون الدولي واقتراح حل وسط الصالح (قليلاً) المغرب "مخطط بيكر الثاني".

1. إن الفشل القانوني لما سمي ب "مخطط بيكر الأول" وعدم جدوائته السياسية (نتيجته هي الدمج المقنع لكل الاقليم) أدى إلى فشله. وقد برز هذا الفشل خصوصاً بصفة أكثر وضوحاً عندما لم يصادق عليه مجلس الأمن في أية لحظة من فتراته. وأهم ما تحصل عليه المغرب هو أن القرار 1395 للمجلس يطلب من الأطراف دراسة مشروع الاتفاق الاطار والتفاوض حول أية تعديلات ملموسة تريد إدخالها على المقترح ولكن دون سد الباب أمام أية طرق أخرى. و طالب نفس القرار كذلك بدراسة أية مقتراحات أخرى بهدف التوصل إلى حل سياسي قد تقدمها الاطراف بهدف تحقيق إتفاق مقبول من قبلها. والمكسب المغربي الوحيد هو أن هذا القرار لا يشير إلى "تقرير المصير" في جزئه القانوني برغم أنه يشير إليه في مقدمته وبالتالي فإن ما تحصل عليه المغرب كان ضعيفاً. إن تخلي القانون الدولي عن تقرير المصير في الصحراء الغربية الذي رسخته عشرات قرارات الجمعية العامة، العديد من قرارات مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية نفسها ستنتج عنه إنعكاسات خطيرة على القانون الدولي متسبباً في سابقة خطيرة جداً. لقد دوت صفارات الانظار على كل المستويات . إذ ليس من محض الصدفة أن يصدر هانس كوريل المستشار القانوني للأمم المتحدة بعد القرار 1359 (يونيو 2001)، حكمه الصارم (29 يناير 2002) حول إتفاقيات التنقيب عن النفط في الصحراء الغربية مؤكداً من جديد مذهب حق تقرير المصير في القانون الدولي للأمم المتحدة. وقد حاول القرار 1429 تجنب هذا المنعرج الخطير الذي يؤثر و يشويه مصداقية كل القانون الدولي المتعلق بتصفية الاستعمار في العشرية الأخيرة. وهذا التقرير يؤكد أن مجلس الأمن يستمر "في دعمه الحاسم لمجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي الهادف إلى إيجاد حل سياسي لهذا النزاع" إلا أنه أكد في نفس الوقت أن هذا الحل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الانشغالات المعبر عنها من قبل الاطراف (في هذه الحالة جبهة البوليساريو والجزائر) ويعبر عن إستعداده لدراسة "أي مقترح يتعلق بحق تقرير المصير قد يقدمه الأمين العام و ممثله الشخصي بتشاور، حسب القرار، مع كيانات أخرى تتوفر على تجربة في الميدان. فحق تقرير المصير الذي حسب ما يتضح حذف من القرار 1359 (يظهر في المقدمة ولكن ليس في الجزء القانوني) عاد ليظهر من جديد في المحور الرئيسي للقرار.

2. يعكس "مخطط السلام لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية " أو "مخطط بيكر الثاني" عقلية مؤلف تشريع أمريكي. لقد تم إقتراح هذا المخطط من قبل جيمس بيكر على الاطراف خلال جولة قام بها إلى المنطقة في يناير 2003. لكن النص الحقيقي تأخر في الوصول إلى الرأي العام لأن بيكر طلب الكثير من التحفظ من الاطراف. وفي النهاية نشر المخطط في تقرير الأمين العام حول الوضع في الصحراء الغربية في ماي 2003 بعد ما ألحقت به تعاليق الاطراف. لقد حظي المخطط بدعم وبإجماع مجلس الأمن في قراره 1.495.

ومحتوى هذا المخطط هو جمع بين من جهة المخطط المغربي من خلال السيطرة السياسية المغربية على أكبر جزء من الاقليم و المخطط الصحراوي من جهة أخرى و الذي يتمتع، بقوة القانون غير قابلة للنقاش، بحق تقرير المصير رغم الوضع في مخيمات اللاجئين الذي يزداد حدة بإستمرار وخطر جدي أخر يتمثل في إمكانية العودة إلى الحرب من قبل وحدات صحراوية لا تمكن السيطرة عليها. و تقول مسودة القرار الذي قدم من قبل الولايات المتحدة الامريكية أن مجلس الامن قد "صادق" على "مخطط بيكر الثاني". هذه الصياغة التي تفرض المخطط على الاطراف تأخذ بعين الاعتبار ملاحظة الامين العام التي يقول فيها أن مفاوضات جديدة بين الاطراف لن تأتي ليس فقط باية نتيجة بل ستكون غير منتجة. و قد أدت معارضة المغرب الشديدة التي تبنت فرنسا ضد فرض النص على الاطراف إلى صياغة نهائية خففت من المحتوى القانوني للمخطط إلا أنها حافظت على محتواه الساسي. فمن وجهة النظر القانونية يقول النص النهائي للقرار أن المجلس لا "يصادق" بل "يساند" "مخطط بيكر الثاني" (وهذا ما يشابه المصادقة عليه "سياسياً" ولكن "ليس قانونياً". وبالتالي فهو يطالب الطرفان بالتعاون مع الأمم المتحدة ومعا من أجل "قبول" و"تطبيق المخطط". إذن قانونياً لم تتم المصادقة على المخطط وهو ليس إلا إقتراحا بسيطا لازالت المصادقة عليه وتطبيقه مرتبطين بقبوله من قبل الطرفين. وإذا كان القرار 1495 قد قلص بشكل ملموس من الناحية القانونية فإن مجلس الأمن، من وجهة النظر السياسية قد أعطاه مصداقية سياسية غير قابلة للنقاش إذ عبر عن "دعمه القوي" له معتبراً إياه "الحل السياسي الأمثل الذي يعتمد على موافقة الطرفين".

3. يوضح التاريخ الحديث للصحراء الغربية أن المملكة العلوية كانت تبحث بإستمرارعن تحقيق ثلاثة أهداف: (1) مبرر قانوني يشرع له إحتلال الصحراء (سوى من حيث "السيادة" أو "الإدارة" مثل إتفاق مدريد الذي يعطي شرعية "الإدراة المشتركة"، إلا أن هذا المبرر كما سنرى فيما بعد قد تجاوزته الأحداث)، (2) مراقبة على كل الاقليم (الذي كان يطالب به قبل أزمة نوفمبر 1975، والتي تخلى عنها تكتيكياً من أجل إقحام موريتانيا لصالحه والذي إسترجعه سنة 1979 بعد مغادرة موريتانيا لجزء الصحراء الغربية الذي عاد إليها إثر التقسيم)، (3) إحصاء تتـشكل أغلبيته من المغاربة لضمان نتيجة لصالحه (هدف إتبعه منذ بداية مخطط السلام). ومقابل تحقيق هذه الاهداف الثلاثة تقدم المغرب منذ عهد الحسن الثاني ببديل إعطاء للصحراء "حمكاً ذاتياً" أكد الحسن الثاني أنه من النوع الفيدرالي المستلهم من تجربة الولايات الألمانية.

وبالتالي فإن تحليلا موضوعيا "لمخطط بيكر الثاني" يقدم لنا منتوجاً يتحصل المغرب منه على كل شئ يمكنه الحصول عليه وحتى أكثر من ذلك. لنرى:

(1) تحصل المغرب على مبرر قانوني لاحتلاله، مبرر كان يطالب به إلا أنه لم يتوفر عليه أبداً. ومن المثير للانتباه صمت "مخطط بيكر الثاني" حول إتفاقية مدريد 14 نوفمبر 1975 وحول معاهدة ترسيم الحدود مع موريتانيا لـ14 أبريل 1976 (والتي تمت فيها المصادقة على تقسيم الصحراء). وهذا الصمت ينسجم مع حكم المستشار القانوني للأمم المتحدة، هانس كوريل بتاريخ 29 يناير 2002 الذي يحرم المغرب من أي مبرر قانوني. و هذا يعني أن كل النشاطات التي قام بها المغرب إلى حد الساعة في الاقليم تتناقض كلها مع الشرعية الدولية ( مثلا إتفاقيات التنقيب عن النفط). ف"مخطط بيكر الثاني" يعطي للمغرب مبررا قانونيا لاحتلاله مساعداً أياه على إدارة الشؤون الخارجية، الدفاع الخارجي وتحديد الحدود.

هناك مسألة مخالفة أخرى هي: ما هي طبيعة هذا المبرر القانوني: هل يتعلق "بسيادة" كما يدعي المغرب أو "الإدارة". و تسليم السيادة على الاقليم من ناحية القانون لا يمكن أن يكون إلا بعد إستفتاء لتقرير المصير. ولذا فإن قراءة "مخطط بيكر الثاني" التى تعتبر، كما يدعي المغرب أنه يقر "حكماً ذاتياً في إطار السيادة المغربية" هي قراءة خاطئة. إذ يجب تفسير "مخطط بيكر الثاني" حسب الشرعية الدولية ومثل ذلك التفسير سيساعد على إستنتاج ما إذا كان ما تحصل عليه المغرب هو مبرر " الإدارة" وبصفة أكثر دقة "إدارة مشتركة" مع "سلطة الصحراء الغربية". وإنطلاقاً من وجهة نظري فإن القراءة المتئنية تؤدي إلى هذه الخلاصة. ذلك أن قوانين الإدارة المغربية في الصحراء يجب ألا تكون منسجمة مع الدستور المغربي، بل مع قوانين البرلمان الصحراوي التى يجب ألآ تخضع للدستور المغربي بل "لمخطط بيكر الثاني" الذي يصبح هو "الدستور الحقيقي للاقليم". و هذا فرق أساسي بمقارنة مع "مخطط بيكر الأول" الذي يخضع القوانين الصحراوية للدستور المغربي. ولهذا السبب نفسه قدم المغرب إحتجاجين على المخطط أعتقد أنهما خاطئان. فمن جهة لا أظن أنه لا يوجد تناقض، كما يدعي المغرب حينما يقول أن الأمين العام للأمم المتحدة يتوفر على صلاحية تفسير مخطط السلام في الوقت الذي تتوفر كذلك المحاكم العاليا الصحراوية و المغربية على هذه الصلاحية. إذ يقول "مخطط بيكر الثاني" أنه يحق للأمين العام تفسير المخطط فقط في حالة الخلاف. ومن المؤكد أنه إذا كان الدستور هو التعبير القانوني عن السيادة فإن "مخطط بيكر الثاني" هو الدستور الصحراوي الأصلي خلال الفترة ما قبل الاستفتاء و بالتالي فإن السيادة ليست للمغرب. ومن جهة أخرى يتضح أن التبرير المغربي الذي يدعي بأن "مخطط بيكر الثاني" لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مصادقة المغرب عليه، غير مقبول (ومن قبل الموقعين الأخرين جبهة البوليساريو، الجزائر وموريتانيا)، تماشياً مع الاجراءات المحددة في دستوره إذ حسب المملكة العلوية سيؤدي هذا المخطط إلى "تغييرات جوهرية في الوضعية القانونية في "الاقاليم الجنوبية للبلاد". ويتضح أن هذا التبرير غير مقبول بالنسبة لي لعدة أسباب. السبب الأول هو أن مخطط السلام لسنة 1990 وإتفاقيات هيوستن، التي صادق عليها مجلس الأمن تتضمن كذلك "تغييرات جوهرية في الوضعية القانونية للاقاليم الجنوبية للبلاد" والمغرب لم يكن ليغير دستوره من أجل تطبيقها. السبب الثاني هو أن "مخطط بيكر الثاني" ليس "إتفاقية دولية" بل قراراً لمجلس الأمن ووضعه حيز التنفيذ يخضع لقبول الطرفين و هو شرط قبول وليس صلاحية. السبب الثالث هو أن الدستور المغربي لا يشير بوضوح إلى هذه الاقاليم الجنوبية وبالتالي فهو لا يحتاج إلى هذا المبرر المستلهم من حكم المحكمة العليا الكندية بتاريخ 20 أغسطس 1998 فيما يتعلق بكيبك وهو إقليم كما أشارت إلى ذلك بوضوح المحكمة العليا الكندية ليس مستعمرة بل واحدة من الولايات التي تشكل الفيدرالية الكندية حسب دستور ذلك البلد. وأخيراً السبب الرابع هو أن القانون الدولي لا يمكن أن يرتبط ببند في بدستور وضع على أساس مخالف للقانون الدولي نفسه.

(2) ومن جهة أخرى فإن المغرب سيحصل من خلال "مخطط بيكر الثاني" على ما لم يحصل عليه إلى حد الساعة كما أوضحت ذلك الجزائر في ردها على المخطط أي مراقبة كل الاقليم: سواء لأنه تم تقسيم الصحراء سنتي 1975- 1976 بين المغرب وموريتانيا، سواءا لأن المغرب لم يكن يسيطر على الاقليم قبل بناء الأحزمة الدفاعية أو لأنه لم يسيطر بعد بناء الاحزمة الدفاعية إلا على المساحة التي تشمل هذه الأحزمة. والأكيد أنه منذ 1976 وإلى حد الساعة كان هناك إقليم (في الوقت الحالي يشكل 20%) معروف "بالمحرر" مارست عليه بإستمرار الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية سيطرتها. ويتجاهل "مخطط بيكر الثاني" كلية وجود الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية (وذلك لم يكن إلا ليرضي المغرب) ويحرم هذه الأخيرة من كل ترابها مقدما للجيش المغربي مراقبة "الحدود الخارجية". وهذه المراقبة على كل المنطقة تطرح بعض المشاكل السياسية والقانونية.

فسياسياً، لقد عبرت الجزائر عن تخوفها من وجود القوات المغربية في الصحراء وجهاً لوجه أمام القوات الجزائرية عندما تزول "المنطقة العازلة" التي تراقبها البوليساريو في الوقت الراهن. أما بالنسبة لموريتانيا فإن السؤال سيطرح حول مإذا سيقع في حالة إذا ما وجدت القوات المغربية نفسها لأول مرة على الحدود الموريتانية. يجب ألا ننسى أن المغرب طالب بإلحاق موريتانيا مستخدماً نفس المبررات لإلحاق الصحراء. وأخيراً بالنسبة لبوليساريو فإن هذا البند لا يعني بكل بساطة إلا أن قواتها ستجد نفسها محاطة بالجيش المغربي.

ومن الصحيح قانونياً أن الحدود الخارجية الوحيدة المعترفة بها هي تلك التي تحد مجموع الاقليم. وقانونياً كذلك الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية دولة موجودة وعضو في الاتحاد الافريقي وتطالب بكل الاقليم الموجود داخل الحدود الدولية المعترف بها. من الصحيح أن الاتحاد الافريقي ومنظمة الأمم المتحدة هما منظمتان مختلفتان وبالتالي فإن ما يحدث في الاتحاد الافريقي قد لا ترتبط به الأمم المتحدة. و بما أن "جبهة البوليساريو" (المفاوض الوحيد المعترف به من قبل الأمم المتحدة) هي التي وقعت على "مخطط بيكر الثاني" وليست "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" فإن ذلك يطرح إشكالية ما إذا كان ما تقرر "جبهة البوليساريو" يجب أن تلتزم به "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". وإذا كان يوجد في الواقع إنسجام كلي بين الكيانين فإن الأمر ليس كذلك من الناحية النظرية. فالانضمام إلى الأمم المتحدة ليس شرطاً لوجود دولة. وكون الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية موجودة وتتوفر على ترابها الخاص يمكن أن يثير سؤالا حول ماذا سيحدث في حالة ما يخرج الجيش المغربي ليبسط سيطرته على الحدود الدولية المعترف بها خارج الحزام الدفاعي. وإذا لم توافق الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية فمن الممكن أن نجد أنفوسنا أمام غزو مسلح لتراب دولة (الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية) من قبل أخرى (المغرب) مما يعطي حق الدفاع الشرعي والعودة إلى الحرب من جديد.

(3) ثالثاً وأمام إمكانية تنظيم إستفتاء حتمي ولا غنى عنه لتقرير المصير شرع المغرب في إدعاء "نفخ" إحصاء المصويتين بإضافة أعدادا من المغاربة إليه. ففي سنة 1975 و عندما أرسلت الامم المتحدة بعثة تقصي الحقائق إلى المنطقة أكد المغرب أن ما بين 30000 و 40000 صحراوي يعيشون في المغرب و موريتانيا كلاجيئين فروا من القمع الاسباني. و عندما لاحظ الاجماع الصحراوي الملموس على الاستقلا ل، قرر المغرب مضاعفة عدد من يدعي أنهم "صحرايين" يجب إدماجهم. و قد قدر الحسن الثاني في الرسالة التي بعث بها إلى الامين العام بتاريخ 15 سبتمبر 1991 أن عددهم يصل إلى 170000 فرد و أعلن أن المغرب سيشرع في ترحيلهم إلىالصحراء. وقد وضع "مخطط بيكر الثاني" من أجل الانتخابات الرئاسية و البرلمانية في الفترة ما قبل الاستفتاء، إحصاءا لمجموع المصويتين يضم فقط كل الافراد المؤهلين من قبل لجان تحديد الهوية التابعة للامم المتحدة (86.381). وإضافة إلى ذلك أقر أنه بالاضافة إلي هؤلاء، سيصوت اللاجيئون المسجلون في قائمة العودة المعدة بتاريخ 31 أكتوبر 2000 من قبل المحافظة السامية لغوث اللاجيئين وهي القائمة المجهولة من قبل المغرب و كذلك المقيمون بصفة مستمرة في الصحراء حتي 30 ديسمبر 1999. ( في أخر إنتخابات تشريعية مغربية يوجد كمقيمين في الاقليم 151696 فرد بما في ذلك 45000 صحراوي معترف بهم كمصويتين من قبل المينورصو وهم يقيمون في الصحراء المحتلة من قبل المغرب). هذا الاحصاء الخاص بإستفتاء تقرير المصير يطرح العديد من الشكوك السياسية و القانونية.

و يتضح أن الاحصاء الذي أقره "مخطط بيكر الثاني" يميل لصالح المغرب. فهو يتكون من ثلاثة لوائح تتقاطع فيما بينها: لائحة إحصاء الامم المتحدة، لائحة المقيمين في الصحراء منذ 1999 و لائحة اللاجيئين. لقد تم إعداد اللائحة الاولى خلال مرحلتين. الاولى إنتهت في يوليوز 1999 و أقرت الامم المتحدة إحصاء 84.251 مصويت ( تم إنتقائهم من بين 147.229 مرشح) من بينهم 44.9% ( 46254) هم مرشحون قدموا من قبل المغرب و يعيشون فيه أو في الاقليم المحتل، 40.1%( 33.785) هم مرشحون قدموا من قبل جبهة البوليساريو يعيشون في الاراضي المحررة أو مخيمات اللاجيين و 5% ( 4213) تقدموا في موريتانيا. و برغم من أن أغلبية الذين تم إنتقاؤهم تقدمت في الاقليم الذي يسيطر عليه المغرب فإن أغلبية الذين تم رفضهم كذلك تتضمن مرشحيين قدموا من قبل المغرب أيضا. و قد أنتهي من الاحصاء في ديسمبر 1999 بعد تحديد هوية ما يسمي بالقبائل المتنازع عليها. فمن بين 51220 مرشح تقدموا فإن لجان تحديد الهوية أعلنت 2135 كمصويتين فقط يعيشون كلهم في المغرب أوالصحراء المحتلة. وبالتالي يصبح العدد الاجمالي هو 198.469 مرشح تقدموا للجان تحديد الهوية أعلن أن 86086 هم صحراويون وتم إقصاء 112.083 . وفي نفس الوقت فمن بين الصحراويين ( 86083) يعيش حوالي 48.389 في المغرب أو في المنطقة التي يراقب.

وترتبط الحسابات السياسية بالتقاطع بين اللوائح الثلاثة التي ستؤدي مجتمعة إلي إستفتاء تقرير المصير لانه يوجد صحراويون معترف بهم كمصويتين ( اللائحة الاولى) و هم في نفس الوقت لاجيئين ( اللائحة الثالثة) و صحراويون معترف بهم كمصويتين في(اللائحة الاولى) يقيمون في الصحراء المحتلة من قبل المغرب ( اللائحة الثانية). و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار اللائحتين المعترف بهما سنلاحظ أنه من بين 151.696 "المقيمين" في الاقليم المحتل من الصحراء فإن 48000 صحراوي معترف بهم كذلك من قبل الامم المتحدة مما يدل على أن 103000 مستوطن مغربي يمكن أن يصوتوا. و بالتالى و في حالة ما نستثني ما قد ينجم عن لائحة الللاجيئين فإننا سنجد أنفسنا أمام حوالي 189000 فرد من بينهم 86000 صحراوي ( 45%) و حوالى 103000 مغربي (55%) . و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مجموع الافراد الذين تقدموا أمام لجان تحديد الهوية هو حوالى 198000 فرد و بأن المغرب عرقل الاستفتاء لان الامم المتحدة تقدر أنه من هذا المجموع فقط حوالي 86000 هم المصويتون فإننا سنلاحظ أن "مخطط بيكرالثاني" أعطي بالضبط للمغرب الاحصاء الذي يريد المغرب نفسه وضعه. غير أنه يتضح أن هذا الاخير يخشى ( كما عبر عن ذلك في رده الكتابي على المخطط) أن تتضمن لائحة اللاجيئين العديد من الافراد غير مسجلين في إحصاء الامم المتحدة لسنة 1999 بشكل يجعل أن لائحةاللاجيئين ( الغير معروفة) تتحول إلى المصدر الاصلي للتوازن. و هذا ما يفسر إلحاح عمر هيلالي، السفير المغربي لدى الامم المتحدة بجنيف، أمام المحافظة السامية لغوث اللاجيين و الذي طالب فيه بقيام الامم المتحدة "بإحصاء و تسجيل" اللاجيئين بصفة أشمل وأدق من اللائحة المعمول بها حاليا. و أدى الضغط المغربي باللجنة التنفيذية للمحافظة إلى المصادقة يوم 3 أكتوبر 2003 على قرار يعترف بأهمية الانظمة الفعالة و أساليب التسجيل و إلاحصاء كأساليب للحماية و وسائل لتحديد و تقييم الاحتياجات التغذوية و توزيع المساعدات الانسانية.

و قانونيا يمكن إعتبار دمج " المقيمين" في إقليم كمصويتين في إستفتاء لتقرير المصير، شيئا غير شرعي. و من المهم الاشارة إلى أن الجزائر لم تعارض في جوابها على المخطط هذه النقطة الحاسمة. كما أن المغرب هوالاخر لم يعارض هذه النقطة . غير أنه يمكن إبراز عدة إنتقادات لها. فمن جهة يجب التذكير بأن محكمة العدل الدولية أقرت بأن السكان المحليين للاقليم هم الذين يشاركون في الاستفتاء وليس "المقيمين" فيه. و قد حددت الامم المتحدة نفسها عدد السكان "الاصليين" وأقرت سنة 1999 إحصاءا ل" لشعب الصحراوي" الذي يجب أن يمارس حق تقرير المصير. و بالتالي لا يمكنها الان دعم عكس ما أنجزت هي نفسها. و من جهة أخرى فإن "الاحصاء" الجديد الذي يقترح جيمس بيكر يعرقل بندا أساسيا أخرا من القانون الدولي . ذلك أن البند الرابع من معاهدة جنيف بتاريخ 12 اكتوبر 1949 المتعلقة بالحماية اللازمة للاشخاص المدنيين خلال فترة الحرب يقر في البند 49 توصية واضحة: " لا يمكن للقوة المحتلة ترحيل أو تحويل جزاء من سكانها المدنيين إلى الاقليم الذي تحتل". و أخيرا و في حالة ما لم يكن ذلك كافيا فإذا ما كان هؤلاء " المقيمون" المغاربة قد قدموا مع "المسيرة الخضراء" فان مجلس الامن قد حسم في ذلك الامر عندما أمر في حينه بسحب من الاقليم كل المشاركين في المسيرة الخضراء. و من الواضح أن مقترح بيكر يرمي إلى دمج في " الاحصاء الجديد" عددا من المستوطنين تم ترحيلهم من قبل المغرب إلى الاقليم الذي يحتله. كما لا يمكن تقبل تأكيد مثل ذلك الذي قدم المغرب في رده على مقترج بيكر عندما قال أن ما قام به "منصف" و "يتماشى مع الممارسة الديمقراطية ". لانه يوجد فرق أساسي في كل ممارسة ديمقراطية وفي ممارسة أي إجراء قانوني بين "المواطنين" و بقية "المقيمين" الذين لا يتمتعون بالمواطنة. و لا يوجد أي بلد في العالم مهما تكن درجة الديمقراطية فيه يمكن لمقيمن أجانب فيه إنتخاب مجلسا تأسيسيا أو برلمانا عاديا.

فهذه الاوجه من المخطط برغم أنه لا يمكن الشك في مخالفتها للشرعية الدولية إلا أنه قد يصعب تجاهلها. و يشير القرار 1495 أن المفاوضات بين الاطراف و مع الامم المتحدة يجب أن تتجه نحو " قبول" النص الموجود و "تطبيقه"، كما أبرز ذلك الامين العام . غير أنه يتضح أن الباب لم يفتح أمام مفاوضات موجهة نحو تغيير نص المخطط. فبقدر ما يصعب من جهة تصحيح نقاط المخطط التي يمكن الشك في شرعيتها، فإنه قد يكون من الصعب على المغرب محاولة " التفاوض من جديد" حول المخطط قصد المحافظة على نقاط أكثر ملائمة له ( مبرر قانوني للاحتلال، الاحصاء و مراقبة الاقليم) لاغيا أوجه "أقل ملائمة" ( مثل موضوع الفترة الانتقالية، التى تسيطر خلالها سلطة الصحراء الغربية التى من الممكن أن تكون موالية للاستقلال). المفاوضات التي يطالب بها القرار الاممي يجب من جهة أن تتجه نحو ما إذا كانت الاطراف تقبل المخطط، و بعد ذلك " إستكماله " لجعله قابلا للتطبيق دون تغيير نصه. لذا فإن الرفض المغربي لقبول المخطط الذي أعتبر "كألاحسن" من قبل مجلس الامن سيكون له ثمنا سياسيا باهضا حتى وإن لم يكن إلا قانونيا.

تغييرات السياسة الداخلية و الخارجية و الخوف من الحل الوسط

يتضح أن مخطط بيكر يميل لصالح المغرب. فهو لا يعطي للمغرب أكثر مما تسمح به الشرعية الدولية بل يقدم له ذلك من خلال الطريق التى إقترح المغرب: اللامركزية و الديمقراطية. غير أنه من الملفت للنطر كيف أن البوليساريو و الجزائر قبلاه في حين رفضه المغرب. السؤال المطروح هو لماذا؟ و قد توجد تفسيرات لهذا في العوامل الدولية وفي عناصر السياسة الداخلية المغربية.

1- التفسير الدولي يتجلي على المستوى الاستراتيجى و التكتيكي. إستراتيجيا يتضح أن منطقة المغرب العربي و الضفة الغربية من البحر الابيض المتوسط تشهد في الوقت الحالي إعادة تقييم لسياساتها لتصبح في مستوى التحالفات الدولية: إسبانيا راهنت على التحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة على حساب تبعيتها السابقة كذيل لفرنسا و مالت كذلك لتقرب أكبر من الجزائر خصوصا أثناء أزمة جزيرة ليلى. فالجزائر و دون أن تتخلى عن علاقاتها القديمة مع روسيا تحاول التقرب من فرنسا و خصوصا الولايات المتحدة في حين أن المغرب مستمر في المحافظة على علاقاته التقليدية مع فرنسا و الولايات المتحدة في نفس الوقت بالرغم من الخلافات بين هاتين القوتين العظميتـين في حين أن جبهة البوليساريو تريد إلاستمرار في سياسة التقرب من إسبانيا، الجزائر و الولايات المتحدة. و وجود إسبانيا و الولايات المتحدة في التحالف الدولي في العراق بالاضافة إلى قرب الجزائر و البوليساريو من المواقف الامريكية، أدى إلى تغيير جوهري في نظرة الولايات المتحدة إلى هذا الموضوع. لقد وجد المغرب نفسه أمام وضعية جد حرجة إذ حاول أن يحافظ علي علاقات إمتيازية مع فرنسا في الوقت الذي هو حليف للولايات المتحدة. و أدت الازمة العراقية بالمواجهة الامريكية الفرنسية إلى أكبر توتر شهدته العلاقات بين البلدين. و قد أوضح نزاع الصحراء الغربية و النقاش في مجلس الامن الكثير من الامور: فالمفاوضات حول إتفاق التبادل التجاري الحر بين المغرب و الولايات المتحدة الامريكية و حل أزمة جزيرة ليلى قبلا بغيرة من قبل فرنسا و أعتبرا كمحاولات للتقرب من الولايات المتحدة على حساب فرنسا. و الحقيقة هي أن المغرب دخل في مواجهة، في الوقت الحاسم، مع الولايات المتحدة بإعتماده فقط على فرنسا. و هذا من حيث المبدأ يجب أن يودي إلى تصلب ( نسبي) لموقف الولايات المتحدة الامريكية تجاه المغرب و لا أظن أن الولايات المتحدة الامريكية تريد جني ربح جيوستراتيجي قد يستغل لفائدة منافيسها الاول عالميا أو على الاقل في هذا الوقت والذي هو فرنسا.

و من وجهة النظر التكتيكية فإن قبول البوليساريو و بغض النظر عن أنه ناتج عن ضغوط جزائرية و إسبانية كما صرح بذلك ممثل جبهة البوليساريو لدي الامم المتحدة)، قد يفسر على أنه موقف تكتيكي أمام الموقف المحتمل للمغرب. و جبهة البوليساريو و الجزائر قدرا أن المغرب سيعترض على المخطط بالرغم أنه مناسبا للمواقف التاريخية المغربية. و عندما قدرا أن المغرب سيعترض أخذا بعين الاعتبار أن ردا إجابيا ستتولد عنه فوائدا كثيرة: عزل المغرب، فضح تناقضاته ( يرفض ما كان يطالب به من قبل ) و في حالة فرض المخطط على الاطراف رغم إرادتها فإنهما سيظهران كالمنتصر بقدرما أن المغرب و في حالة المبالغة في توقعاته فإنه سيظهر كالطرف الخاسر برغم من حصوله على كل شئ تقريبا.

2- ما دامت العوامل الدولية مهمة جدا فربما تكون قد كانت حاسمة جدا في تحديد الموقف المغربي الرافض للتغييرات في السياسة الداخلية المغربية. و التحرك التكتيكي الصحراوي- الجزائري المتمثل في قبول المخطط يمكن أن يكون قد إعتمد على أن المغرب سيرفض المخطط و هذا ما أثار الاستغراب لانهما تعاملا معه كما ولو كان لصالح المغرب. إلا أن الازمنة الساسية غيرت المواقف الاولية للاطراف. و بعد فاة الحسن الثاني، إنطلقت في المغرب أزمة سياسية، إجتماعية و إقتصادية صعبة. فالفقر المتنامي، الهجرة، تنامي الأصولية الإسلامية وتفاقم المطالب البربرية، و زيادة مطالبات القطاعات المتفتحة في المجتمع والمطالبة بالمزيد من التفتح الديمقراطي، كل تلك العناصر وضعت البنية التقليدية للسلطة، المخزن، في وضعية دفاعية.

وقد يفترض تطبيق "مخطط بيكر الثاني" إدخال لأول مرة في الاقليم الذي يراقب المغرب حاليا نظاما ديمقراطيا كلية (منتهجاً نموذج الولايات المتحدة الامريكية) وفيدرالي يعترف بالحقوق الاساسية للانسان . وذلك هو ما يقترح المغرب مقابل الدمج. وفي حالة ما يطبق المخطط الجديد فإن المخزن سيفقد سلطته على الصحراء. فقد تؤدي الصلاحيات التشريعية للبرلمان الصحراوي والنظام القضائي المستقل المحدد في المخطط، إلى إعداد "تشريع حريات" قد يكون المرآة التي سينظر إليها الديمقراطيون المغاربة. فالمقارنة بين المغرب الذي يديره المخزن وصحراء ديمقراطية حرة من قيود المخزن سينتج عنه رد فعل حتمي داخل المغرب لصالح إيجاد نظاما ديمقراطيا و فيدراليا في المغرب نفسه. وهي إصلاحات وعدوا بها كثيراً لكنها لم تنجز. وليس من الغريب أن يحاول المغرب في جاوبه على مخطط بيكر شل فعالية هذه النقاط الثلاثة: اللامركزية (الولايات الالمانية التي وعد بها الحسن الثاني يتم تحويلها إلى "سلطة محلية" مثل تلك التي تتمتع بها البلديات حسب الرد المغربي)، الديمقراطية واضعاً السلطة القضائية الصحراوية تحت سيطرة السلطة القضائية المغربية)، وحقوق الانسان (معبراً ما في ذلك عن مدى ما يمكن أن تكون عليه الحريات الايدولوجية وحريات التعبير).

وإذا كان الامر هكذا فمن السهل فهم السنياريوهات المستقبلية الممكنة. ففي الأول فإن توسيع الاحصاء ليشمل المستوطنين يمكن أن يؤدي إلى دمج الاقليم إلا أن هذا الانتصار "الخارجي" سيكون له ثمن "داخلياً" أي الانفتاح الداخلي وخلق نظاما فيدراليا في المغرب. و ليس من الصعب أمام هذه الامكانية الاعتقاد بأن المخزن قد فضل الحفاظ على النزاع من أجل صيانة إمتيازاته في المغرب بدلاً من ضمان إدماج قد يؤدي إلى خسارة هذه الامتيازات. أما السيناريو الثاني فهو ذلك الذي يمكن أن يصوت فيه المستوطنون المغاربة أنفسهم لصالح إستقلال الاقليم كوسيلة وحيدة لضمان العيش في دولة ديمقراطية ومتحضرة وبصفة أدق كنتيجة للتحرر من ضغوطات المخزن. أما السيناريو الثالث فهو بدلاً من "مغربة" صحراويي المناطق المحتلة فإن المغاربة أنفسهم "سيصبحون صحراويين" بحيث أن تصويت المستوطنون لن يتم إلا لصالح الاستقلال. وقد لحظ ذلك ليس بين المستوطنين القادمين من المغرب بل في أبنائهم الذين إزدادوا في الصحراء كما إتضح ذلك في إنتفاضات 1999 في العيون.

3. تفترض المصادقة على القرار 1495 إحدى أكبر هزائم الدبلوماسية المغربية في السنوات الماضية إذ لا يمكن تجاهل أن مجلس الأمن قرر دعم "كأحسن حل سياسي" ما أعتبره المغرب أنفاً مرفوضا. وأعتقد أن الرد المغربي الذي لم يكن متوقعاً بدلاً من أن يبحث عن طريقة للتماشي مع القرار الجديد لم يقم إلا بتعزيز رفضه المباشر لقرار و "مخطط بيكر الثاني". لقد تمحورت الهجمة المغربية على عدة جبهات :"الجبهة الانسانية" و "الجبهة القبلية".

ففي البداية هاجم المغرب "الجبهة الانسانية" غير أن حقوق الانسان لا زالت في تتدهور يوم بعد يوم في الصحراء المحتلة والمغرب. لقد إستغل المغرب وبشكل كبير "تقريراً" حول الأسرى المغاربة قدم من قبل أعضاء من "فرنسا الحريات" لمهاجمة جبهة البوليساريو. وليس من المهم ما إذا كان التقرير يحتوي على أكاذيب كبيرة وغير حقيقية ما دامت قد كذب رسمياً من قبل البوليساريو. وقد إستهدف التقرير خلق الشكوك حول صورة جبهة البوليساريو. وكما برهنت شخصيا على ذلك سابقاً فإن هذا التقرير لا يحتوي فقط على أخطاء قانونية كبيرة مبالغ فيها، تاكيدات كاذبة بل وزع بصفة أدق أربعة أيام فقط بعد المصادقة على القرار 1495 عندما كان المغرب يوجد في وضعية عزلة دبلوماسية. وهكذا فإن التقرير يشكل هجوماً مضاداً حتى لو لم يكن في وقته.

الجبهة الثانية هي "الجبهة القبلية" لقد إدعى المغرب في جوابه على "مخطط بيكر الثاني" أن مسلسل إنتخاب الهئيات التشريعية والتنفيذية للحكم الذاتي المحددة في "مخطط بيكر الثاني" لا يأخذ بعين الاعتبار " البنية القبلية" لسكان الاقليم. وقد قدم المغرب سيناريو من إنعدام الاستقرار ممكن أن يتنج عن صراعات قبلية قد تشهدها فترة الحكم الذاتي المحددة في "مخطط بيكر الثاني". غير أن مجلس الأمن لم يأخذ هذه المبررات بعين الاعتبار. وقد كرر المغرب، بعدما أعطي مجلس الامن الضوء الأخضر "لمخطط بيكر الثاني" في القرار 1495، تأكيد هذه الاداعاءات. لذا بعث إلى عدة دول أعضاء في مجلس الأمن (فرنسا، إسبانيا، المانيا، إبريطانيا، المكسيك و شيلي) ودول أخرى (إيطاليا) وفوداً من الصحراويين التابعين له و التي إلى جانب إدعائها "تمثيل" "أغلبية" السكان الصحراويين (دون أن يكون هناك أي مسلسل إنتخابي يزكي هذا التأكيد) تطالب بإثارة الانتباه حول المشاكل التي قد تنجم عن "مخطط بيكر الثاني". وقد قدمت مبرراتها في "مذكرة" مليئة بالأخطاء التاريخية والقانونية. ويتضح أن مبرر الخوف الذي قدم كحجة للقبلية هي مبرر ذات ضعف كبير نتيجة لعدة أسباب. أولاً السكان الصحراويون ليسوا الوحيدين في المنطقة (ولا في القارة الافريقية) الذين يتوفرون على بنية قبلية: المغرب، الجزائر وموريتانيا تتوفر هي الاخرى على بنية قبلية ويتضح أنه لم تقع إلى حد الساعة حروب مدنية قبلية في هذه الدول (أزمة القبائل في الجزائر ليست أزمة قبلية). ثانياً إذا كان السكان الصحراويون يتوفرون على بنية قبلية فلماذا لم تقع حروب قبلية في الصحراء التي يحتل المغرب برغم أنه لا يتم أي إجراء إنتخابي في المغرب على أسس قبلية (لا إنتخاب البرلمان والانتخابات المحلية). نحن لا نرى لماذا إذا كانت لا توجد اليوم نزاعات قبلية خلال الانتخابات التي تتم في الصحراء المحتلة، يقع مثل هذه النزاعات في صحراء تتمتع بحكم ذاتي أو الاستقلال. ثالثاً من المثير للإنتباه أنه لا توجد كذلك صراعات قبلية بين سكان الجمهورية العربيةالصحراوية الديمقراطية برغم من وجود "هذه البنية القبلية". والنزاع الداخلي الوحيد ذات الطابع القبلي حدث منذ 15 سنة (1988) ولم يتكرر بعد ذلك. وبصفة قطعية فإنني لا أفهم كيف ستقع نزاعات قبلية حيث لا توجد إلى حد الساعة وحيث إمكانيات قليلة لنشوبها في دولة جديدة ذات الشعور الوطني القوي وبالتالي تجاوزت القبلية.




الآفـــــــــــــاق

إذا كان المغرب كما يتضح مستعداً لرفض "مخطط بيكر الثاني" بعدما إعتبرته المجموعة الدولية "أحسن حل سياسي" في قرار مجلس الأمن رقم 1495 ، فكيف ستكون آفاق النزاع ؟ كل الدلائل تشير إلى أنه سيتمادى في التنكر لهذا القرار ما دام مجلس الامن لم "يفرض" "مخطط بيكر الثاني" (لم يصادق عليه قانونياً غير أنه أعطاه الضوء الأخضر السياسي) ولم يطلب من الأطراف "التعاون كلية مع الأمم المتحدة وفيما بينها من أجل قبول ووضع مخطط السلام حيز التنفيذ". وبالرغم من ذلك فإن المغرب يجرو على تجاهل القرار 1495 . هذه ليست المرة الأولى التي يتجاهل فيها قرارات مجلس الأمن ولم يتعرض أبداً لأدنى عقوبة نتيجة لتصرفه. فهو لم يحترم القرارات التي تفرض عليه "التعاون كلية" من أجل وضع حيز التنفيذ مخطط السلام وإتنفاقيات هيوستن (القرارات 658، 690، 725 والقرار 1133 لمجلس الأمن من بين أخريات). ويتضح أن الهجوم سيكون مزدوجاً "إنسانيا (تقرير كرموس ديبيسون برغم من أنه مليئ بالأكاذيب ) وقبليا (المذكرة المقدمة من قبل وفد "ممثلي" "الاقاليم الجنوبية" والذي لا يقل أخطاء) كل ذلك بالاضافة إلى محاولة بيع صورة البوليساريو "كأقلية" مقابل "ممثلي" أغلبية الصحراوين. ومن الواضح أن هذه المحاولة فاشلة لأنه في حالة ما يشكل الصحراويون المواليون للمغرب "الاغلبية الساحقة" فإنني لا أفهم المشكل أمام تنظيم إنتخابات محلية وحتى الاستفتاء. غير أن كل الوسائل صالحة لتسميم غير المضطلعين على الملف، حتى ولو لم يكن ذلك "إلا للخروج من المأزق".

المسألة هي إذن كيف سيكون رد فعل المنظومة الدولية. غير أن سابقة عدم تطبيق القرارات في الماضي لا يشكل مؤشراً بل يعتبر سبباً إضافياً لوضع حد نهائيً لديناميكية التمرد على القانون الدولي. كما لا يمكن لمجلس الأمن الدولي التخلي عن القرار 1495 ثلاثة أشهر بعد المصادقة عليه. والمغرب الذي، يتمتع بدعم اللوبي اليهودي (شرع في إتصالاته الدبلوماسية مع إسرائيل بعد المصادقة على القرار 1495)، إستطاع الحصول على تأكيد الولايات المتحدة أنها لن تفرض أي حل ضد إرادة الاطراف. و يستخلص مما سبق أن المغرب يستعد لعدم تطبيق القرار 1495 مكرراً نفس المبررات التي رفض مجلس الأمن عندما أعتبر "مخطط بيكر الثاني" "كاحسن حل سياسي".

وبالتالي فإن الوضع المحتمل هو مأزق قانوني. فالمغرب يدعي أن الأمم المتحدة تصادق "قانونياً" على حل سياسي يساعد على تجاهل القانون الدولي؟ وهذا أمر مستحيل بكل بساطة. ولكن من المتوقع أن يتطور الوضع ليصل إلى مأزق "قانوني" ( ومن الصعب كثيرا الاعتراف بالدمج و المغرب يعارض "مخطط بيكر الثاني"). والمتوقع هو تطور الوضع حسب التغيرات "السياسية" التي تحدث. وعند هذا الحد فإن الآفق يثير الكثير من الانشغال من كل الاوجه نظرا لان كل التطورات السياسية المحتملة في المنطقة يمكن أن تؤدي إلى إنعدام إستقرار سياسي أكبر. فهذا التطور السياسي يمكن أن يصدر في الجانب المغربي أو الصحراوي. ففي الجانب المغربي يمكن أن ينجم عن عدم رضى السكان الصحراوين الذي لا يمكن تجاهله والذين يعيشون في المناطق المحتلة والذين سبق وأن أنتفضوا ضد المغرب. ولكن إنعدام الاستقرار يمكن أن ينجم أيضاً عن تطور داخلي في المغرب إذا ما إستمر الجمود الحالي للمخزن أمام المطالبة بتفتح ديمقراطي أكبر وإذا ما إستمرت الحركات الاسلامية في تقوية وجودها. أما من ناحية الجانب الصحراوي فإن وضعية المأزق كتلك التي نواجه الآن تدفع حسب إعتقادي إلى العودة إلى الحرب ولكن ليس جبهة البوليساريو بل وحدات عسكرية غير مراقبة. والصحراويون يعرفون أن قوتهم "السياسية" تكمن بصفة دقيقة في الاستنزاف البشري، الاجتماعي والاقتصادي الذي يتسبب فيه كفاحهم المسلح ضد المغرب. وفي فترة أزمة مثل هذه في المغرب حيث يريد الشباب الغير المحفز الهجرة إلى أوروبا، فإن إمكانية إرساله للموت في الصحراء يمكن أن تفاقم ثمن الحرب. وتعتمد الكثير من الحسابات السياسية على فرضية أن الصحراوين لن يعودوا إلى الكفاح المسلح خصوصاً بعد الفشل الناتج في الحظة الأخيرة، في يناير 2001، والذي بعدما أعلنت فيه العودة إلى الحرب تم تعليقها بضغط كبير من الجزائر. واليوم كل ما طال الانتظار كل ما زادت خيبة آمل كل الذين (المسلحين بشكل جيد أوسيء) يعرفون كيف يستعملونها لالحاق أكبر ضرر بالمغرب. وهناك شئ آخر وهو أنه يجب عدم الاعتقاد بأن الجزائر تستطيع منع الصحراويين من العودة إلى الحرب. وبالتالي فإن المفتاح في هذه الفترة يمكن أن يوجد في موريتانيا: ففي حالة ما تعود الوحدات غير المراقبة إلى الحرب فإنها ستفعل ذلك إعتماداً على ضمان قاعدة خلفية لها في موريتانيا غير أن ضغطاً على موريتانيا لتفادي حدوث ذلك لن يتسبب إلا في المزيد من المشاكل: فجبهة البوليساريو سبق لها وأن هزمت موريتانيا سنة 1979 والضغط على هذه الدولة المجاورة لن يؤدي إلا إلى توسيع رقعة الحرب. كما أن مرور الزمن يزيد من إحتمالات حدوث الشرارة التي قد تتسبب في حريق لا يمكن توقع نتائجه وإنني أعتقد بشكل قاطع أن ذلك لن يتم لا من خلال "مخطط بيكر الثاني" ولا من فرضيات النزعات القبلية بل إلى تعنت موقف الرباط الذي يمكن أن يشكل خطراً جدياً.

الخلاصات

برز "مخطط بيكر الثاني" الجديد بعد ما شاهدنا أنه لا يمكن فرض القانون وبأن سياسة القوة غير قادرة على فرض متطلبات القانون، كاقتراح حل وسط ما بين السياسة والقانون، بين قوة تتوفر على موقف قوة سياسي جيد ما دامت تحتل أكبر جزء من الاقليم (المغرب) وطرف يتوفر على مبرر قانوني غير قابل للتصرف في حق تقرير المصير معترف له به دولياً من قبل الهئيات الأممية (جبهة البوليساريو). فهذا الحل الوسط الذي يميل بوضوح لصالح الرغابات التي دافع عنها المغرب منذ 27 سنة يقدم أوجه إشكاليات حول كيفية فهم حق تقرير مصير معترفاً به ليس فقط لصالح السكان "الأصليين" ولكن "للمقيمين" كذلك. غير أن تغير ظروف السياسة الخارجية وخصوصاً السياسة الداخلية للمغرب جعل أن الحل المقترح يتم على حساب ما كان المغرب قد إقترحه في الماضي أللامركزية السياسية والديمقراطية. وقد دفع خوف الطبقة الحاكمة في المغرب من فقدان إمتيازاتها إلى رفض إقتراح قادر على أن يعطيها الانتصار الدبلوماسي الذي طال ما عملت من أجله. غير أن الأمر لا يقتصر عند هذا الحد فقط فالرفض المغربي "لمخطط بيكر الثاني" يمكن أن يتسبب في عدم وجود مخرج دبلوماسي للنزاع معرضاً لخطر جدي الاستقرار في المنطقة

بقلم: عمار الصالح