الخميس، 17 يوليو 2014

هكذا خاطب الولي المختار ولد دداه بعد الاتفاقية الثلاثية


حين فكَّر المختار ولد داداه في توقيع أتفاق مدريد وخيانة الروابط مع الصحراويين ومع التاريخ والدم والجغرافيا والحدود وأبار المياه والمراعي المشتركة، وخيانة الصداقة مع الجزائر والمنطقة، كان قد وقَّع على انتحاره السياسي والتاريخي. ففي يوم 10 جوان 1975م، استدعى هواري بومدين المختار ولد داده إلى مدينة بشار، وطلب منه أن لا يرتكب تلك الحماقة بتوقيعه اتفاقية مدريد مع المغرب لإنها ستفشل، ولإنها تسير عكس تيار التاريخ والجغرافيا والعادات والصداقة التاريخية بين شعوب المنطقة،

لكن ولد داداه استهزأء بالأمر. وحسب ما حكى ولد داداه بعد الإطاحة به فإن بومدين او ” موسطاش” مثلما كان يحلو للجزائريين تسميته، أخذ بقميصه وكاد يضربه أو صفعه فعلا.
وإذا كان بومدين قد ترجى ولد داداه أن لا يرتكب تلك الحماقة فإن هناك شخص آخر، هو الولي مصطفى السيد، أمين عام جبهة البوليساريو، كان قد ترجى ولد داداه، أيضا، واستعطفه أن لا يرتكب غلطة الارتماء في حضن المغرب لإنها ستكلف موريتانيا غاليا.
في شهر اكتوبر من سنة 1975م، وحين أصبح أتفاق مدريد جاهزا وينتظر فقط موافقة الرئيس الموريتاني آنذاك، ولد داداه، حاول الولي بكل السبل إن يلتقي به، ويفهِّمه إن يعدل عن ذلك الخطأ، لكن هذا الأخير كان يرفض وبشدة وربما كان يستصغر الولي ويستصغر قوة الشعب الصحراوي كله. لم يكن الولي من نوع الناس الذين يعجزون أو يتراجعون؛ كان إذا قرر إن يفعل فعل، وفعلا اتصل بالمختار ولد داداه وأقنعه أن يلتقي به. يوم 8 نوفمبر 1975م، ستة أيام قبل توقيع اتفاق مدريد، استقبل المختار ولد داداه الولي سريا في نواقشوط، وتباحث معه حول الموضوع. كان الولي يريد أن ينقذ تلك المنطقة الهادئة تاريخيا، والتي لم تحدث فيها صدامات، إطلاقا، بين الأشقاء في موريتانيا والصحراء، ووصل به الأمر إلى التنازل عن الثروات وتقاسمها مستقبلا بين الشعبين، وحين رفض ولد داداه ذهب الولي إلى أبعد من ذلك: أقترح عليه الوحدة بين الشعبين ويكون هو- ولد داداه- رئيسا في المستقبل للدولة الكبيرة التي تمتد من وادي درعة إلى نهر السينغال. في العمق، كان ولد داداه قد استسلم من قبل للضغط الفرنسي والمغربي والأمريكي، ولم يعد يستطيع التراجع. من جهة أخرى، كان ولد داداه يخشى الولي، ويعرف أنه إذا أصبح هو – ولد داداه- رئيسا لدولة متحدة صحراوية- موريتانية في المستقبل، فإن الولي سينتزع منه الزعامة في ظرف قصير بسبب المؤهلات التي يمتلكها، وبسبب تعاطف الكثير من الموريتانيين مع الصحراويين.
فشل اللقاء، وعاد الولي إلى رفاقه وإلى شعبه يحمل في قلبه هما كبيرا وحزنا على مصير المنطقة التي كان ولد داداه يدفعها إلى النار والحرب والدمار والرماد.
حدث اتفاق مدريد وحدث الغزو وتم إعلان الجمهورية الصحراوية، لكن رغم ذلك لم يفقد الولي الأمل في ولدْ داداه وفي الشعب الموريتاني. كتب له رسالة أخيرة يترجاه فيها أن ينقذ شعبه وينقذ المنطقة من غلطة وقعت\ ستقع وستكون نتائجها مدمرة وستحول المنطقة إلى جحيم ورماد. في الرسالة قال الولي:



" بسم الله الرحمن الرحين "

إلى فخامة الرئيس المختار ولد داداه؛ عليكم سلام من الله تعالى وبركاته؛ وبعد:
شعورا منا بثقل المسئولية وبخطورة الأوضاع وما ستصل إليه في منطقتنا هذه أثر المؤامرة التي دبرت ضد الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب، بعد اتفاقية مدريد الثلاثية، فإنه أصبح من الضروري أن ننبه إلى ما يلي:
 أن أرض الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب قد غُزيت من طرف جنود المغرب وجنودكم.
 أن الشعب العربي الصحراوي أُخْرِج من دياره، واستبدلها بدفء الأشجار وقمم الجبال وسفوح الأودية.
3 لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن صاحب الحق لا يمكن أن يستريح مغتصبو حقه طالما هو موجود.
 أن قتل شعب بأكمله، حتى ولو كان قليلا يتطلب وقتا طويلا. إن المنطقي والعادي والصحيح إن يكون الشعب الموريتاني الشقيق ظهيرا للشعب الصحراوي للارتباطات الموضوعية الموجودة بينهما سواء منها التاريخية أو العرقية أو حتى حتمية وحدة المصالح ووحدة الخطر.
إن احتلال الصحراء ما هو إلا مقدمة لإضافة المزيد من الأراضي على حسابكم، إذا لم يكن ذلك قد تم بالفعل، ولكنه مغطى إلى حين.
إن التعاسة التي فُرضت على شعوب المنطقة والتي تزداد فظاعتها يوما بعد يوم، والتي ستدفع الشعوب الصغيرة أكبر قدر من ثمنها تتطلب منا كمسئولين، إذا كنا مسئولين علينا كوطنيين، إذا كنا حقا وطنيين أن نقف لحظة كي نفكر، عن ماذا سينجم عنها على مستوى الوطن الواحد وعلى مستوى المنطقة. هل هناك طريق آخر يُسلك كي تحصل شعوبنا على مصالحها وتجنبها كوارث حرب ستكون فيها خاسرة.
لماذا الحرب، وما هي نتائجها في الأخير.؟
وإذا كان الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب يحارب لإن هناك مؤامرة ثلاثية، وهناك غزو مسلح لأرضه، وبالتالي فهو يحارب للدفاع عن النفس، يحارب كي يعيش حرا كريما وهو حق طبيعي كان يحارب الاستعمار الأسباني من أجل الحصول عليه وكنتم للأسف نصيرا للمستعمر عليه.
إذا كان الشعب العربي الصحراوي يكافح كي يعود إلى دياره التي نُزعت منه خلسة وغدار تحت قذائف المدفعية والدبابات ونابالم الطائرات، فلماذا يحارب الشعب الموريتاني؟
هل رغبة في زيادة رقعة الأرض لإن أرضه ضيقة؟ أو رغبة في الحصول على مزيد من الثروات لإن أرضه فقيرة.؟
وليكن هذا وذاك معا آلا يمكن الحصول عليهما معا عن طريق الشعب العربي الصحراوي، شقيق الشعب الموريتاني والذي لم يزل وأياه يتقاسمان الحلوة والمرة. لم يزل وآياه يقتاتان من نفس الغذاء، ويلبسان نفس اللحاف، ولم يزل بعضهم من بعض، وحتى إذا كان فخامة رئيس الجمهورية المختار ولد داداه يريد زعامة تاريخية، وإذا كان هذا، ألم أعرضه عليك شخصيا في اللقاء الذي تم بيننا في السنة الماضية؟ مهما يكن من شيء فإن أقل ما يُخسر في الحرب هو الراحة، موت الرجال، وزيادة الضرائب على العجائز، وفرض ظروف الحرب على الأطفال. إن كل هذا يتطلب من الرجال المسئولين تبريرات حقيقية لشعوبهم، للتاريخ ولضمائرهم.
إن دفع الشعب الموريتاني إلى حرب مع شقيقه الصحراوي، والتي سيدفعان معا ثمنها هو عبء ثقيل على من له شعوب.
فلتتقي الله في أولاد الشعب الموريتاني يا مختار الذين تدفعهم إلى الموت من أجل تشريد إخوانهم الصحراويين؛ اتق الله يا مختار في العجائز اللاتي تفرض عليهن الضرائب، كي يفقدن وطنهن غدا أو بعد غد. اتق الله يا مختار في الذين تشارك في تشريهم من ديارهم ومتاعهم وتفرض عليهم الموت في الفيافي. اتق الله ونحن مستعدون لصنع أي شيء لحقن دماء الإخوة واتخاذ الطريق المستقيم اللازم لكي تتمتع الشعوب بالحرية والكرامة والطمأنينة والسلام، وتعيش في جو من الأمن والتعاون.
اللهم اشهد والله علينا وكيل


الرسالة رغم أنها كُتبت بعد ما تم الغزو وشارك فيه جيش المختار ولد داداه، إلا إن الهدف منها هو تحذير شخصي لولد داداه شخصيا قبل فوات الآوان. كانت تقول في ما بين حروفها وسطورها أن الدوائر ستدور على المختار عما قريب.



السيد حمدي يحظيه