الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

حق تقرير المصير حقيقة وليست خرافة (خاص)


حق تقرير المصير حقيقة وليست مؤامرة

عربان, عروبي, بدوي, صحراوي, أمازيغي, فراعنة, اكراد, يهود, أرمن, علوي, فرس, مندائي, اشوري, كلداني, شيعة, سنة, وهابي, سلفي, صفوي, اقباط, سريان,كنسيين, مسلمين , فينيقيين الخ الخ الخ.......
تسميات نقرؤها مرارا وتكرارا دون أن نتوقف امامها ونتأمل أبعادها! منها ما يستخدم للتحقير ومنها مايستخدم للتفاخروتحديد الهوية.
وهناك أيضا دول وجزرواقاليم تغيرت تسمياتها ومازال الصراع عليها مستمر حتى اليوم.
دولة فلسطين أودولة اسرائيل؟
الصحراء الغربية أو الصحراء المغربية؟
الاحواز أوالاهواز؟
الخليج العربي أوالخليج الفارسي؟

كل هذه التسميات لم تأتي عفوياً, بل جاءت بالمجازروالاحتلالات والغزوات والتهجيروالتطهيرالعرقي, القومي, الديني وكلها أسَست مايسمى بصراع الهويات.
ومازال الصراع التاريخي للهويات يؤجج أزمات سياسية ويخلق حركات عنصرية تقابلها حركات مقاومة, على الرغم من أن هذه التسميات مرتبطة بتاريخ شعوب إندثرت وتطورت الى شعوب اخرى سبب الهجرة والاندماج مع الشعوب المقيمة على نفس الارض.
هناك محورين يجب تسليط الضوء عليهما في تناول هذه الصراعات لفتح آفاق الحوار المرن.

المحور الاول: هل يحق لاي شعب متواجد حاليا على أرض محددة أن يقررمصيره بالاستقلال اوالانفصال رغم وجود شعوب قديمة ذات اصول مختلفة وتسميات مختلفة عن الشعب الحالي؟
والمحور الثاني: هل عملية ربط القضايا القومية والتحررية التي تسعى للاستقلال او التحريربحزب ديني او مذهب ديني يخدم القضية أم يعيق تقدمها ؟
ولمناقشة المحور الاول لابد من الاعتراف بأن التقسيم كان منهج الاستعمار القديم من اجل إقتسام ثروات المستعمرات. كما هو الحال في اتفاقية سايكس بيكو في الحرب العالمية الاولى حيث قامت فرنسا وبريطانيا في إقتسام الهلال الخصيب (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومنحت تركيا بعض الاقاليم من سوريا).
ولكن هذا شئ وتقسيم السودان الى شمال وجنوب شئ اخر لانه الشعب طالب بالانفصال من خلال الاستفتاء الذي اجري. حتى لو ان البعض يعتبر ان هناك مؤامرة أحكيت وراء الكواليس لتحقيق الانفصال.
وكذلك إنفصال اقليم كردستان في العراق ايضا برغبة الشعب الكردي فلايمكن ان نعتبر هذه الانفصالات مؤامرات امبريالية طالما ان اغلبية الشعب في تلك البقع طالب بها فلماذا نقف امام رغبتها بالانفصال حتى لو كانت لها نتائج اقتصادية سلبية.
ولدينا مثال حي اليوم في اوروبا حيث أن حزب رابطة الشمال الإيطالي تطالب اليوم بانفصال اقليم الشمال بادانيا ( Padania )عن ايطاليا.

أما حق تقرير المصير في سبيل التحرير فلدينا نضال الشعب الفلسطيني منذ 1948 ومازال الى يومنا هذا. ولكن تبقى قضية الشعب الفلسطيني واضحة للكل. فالغرب يعلم باحقية الشعب الفلسطيني بارضه رغم مساندته الكاملة لاسرائيل. ولكن هناك شعب مازال يناضل لاجل أن يعترف المحتل والجميع بأحقيته بارضه, الا وهو الشعب الصحراوي الذي يناضل لطرد المحتل الممثل بالنظام المغربي من الصحراء الغربية بعد ان اخرج المستعمر الاسباني منها.
فالمواثيق الدولية للامم المتحدة أقرت عام 1960 أن من حق الشعوب الرازخة تحت نير الاستعمار النضال للحصول على استقلالها كما انها اقرت أن هذا النضال حق مشروع ولايعتبر عمل ارهابي.
إن صراع الشعب الصحراوي يواجه جبهات عديدة في نفس الوقت. فمن جهة يواجه سيطرة ملك المغرب محمد السادس عليهم. والغريب في هذه القضية هو اصرار غالبية المغاربة على أن الصحراء الغربية تعود لهم, رغم ان نظام المغرب وموريتانيا اتفقا على اقتسامها, وهذه أشارة الى ان الصحراء الغربية ليست للمغرب والا لماذا يشارك نظام موريتانيا بالصحراء الغربية وهو من يملكها ؟ وخاصة اذا علمنا ان المغرب كان في الاصل يطالب بموريتانيا في نهاية الخمسينات الا انه فشل. وهذا يعطينا فكرة عن ان ملك المغرب كان يريد امتلاك كل المناطق المجاورة له!
ومن جهة اخرى يواجه الشعب الصحراوي صراعا مع الدول الاوربية وامريكا التي ربطت مصالحها بمصالح ملك المغرب حيث تحصل على ارباح بنسب معينة من مناجم الفوسفات الموجودة في الصحراء والعديد من الموارد الطبيعية والصيد.
وهذا يعني أن هذه الحكومات تسعى جاهدة لإبقاء الصحراء تحت سيطرة ملك المغرب كي لاتفقد هذه المكاسب المميزة. والجدير بالذكربان ملك المغرب باع ثلث مداخل الفوسفات اليوانيوم لاسبانيا مقابل ان تكون له الصحراء الغربية فالمشروع هو منذ البداية مشروع اوروبي راسمالي. بالنتيجة ان تحويل الصحراء الغربية الى مغربية هي لخلق دولة تخدم الراسمال الامبريالي, يماثل تماما تحويل فلسطين الى اسرائيل لخلق دولة تخدم الراسمال الامبريالي.
يقول الكاتب الماركسي سلامة كيلة "في مقالته بعنوان " قضية الصحراء المغربية سنوات من حرب لا معنى لها". (1)" إن الأساس هنا هو أن استقلال الصحراء ليس ممكناً، حتى وكل العالم يدعم جبهة البوليزاريو ويعترف بها كدولة، دون تغيير حقيقي في المغرب. وبالتالي فإن الاستراتيجية الممكنة هنا هي التوافق مع القوى الوطنية المغربية، فهذا ما يفتح الأفق لتحقيق التغيير"
أي أنه يرى أن فشل البوليزاريو يعود لعدم تنسيقه مع القوى المغربية ويجب ان تتحد جبهة البوليساريو مع القوى الوطنية في المغرب لحدوث التغيير. ولكن سؤالي هنا كيف يمكن ذلك اذا كانت أغلبية القوى الوطنية في المغرب تعتبر الصحراء جزء من المغرب؟ وشخصيا اعتقد بان اختلاف قوى المعارضة في المغرب حول احقية الشعب الصحراوي بارضه هو احد عوامل قوة النظام في المغرب واستمراره.

ولكن بكل الاحوال هناك جبهة أخرى يتصداها الشعب الصحراوي وهي هدف الامازيغ بالسيطرة على الصحراء حيث يعتبرون كل شمال افريقيا تابعة لهم ويجب استرجاعها لان العرب اغتصبوها منهم .
وهذه الامنية يمكن اعتبارها امنية غير منطقية, كأن يعود الامازيغ بالتاريخ الى الوراء لقرون حيث كانت قبائلهم تعيش في الصحراء بداية ومتجاهلين التكون الجديد للمجتمع.
كما لو أننا نتصور ان الآراميين السريان يطالبون بالاراضي التي سكنوا فيها قبل قرون كي يؤسسوا مملكتهم التي إمتدت لمناطق عديدة من الشام وبلاد الرافدين وحتى وصلت أثناء فتوحاتهم المسيحية الى الصين والهند. لينتصورأنهم يطردون العرب والمسلمين من تلك الاراضي واسترجاعها.
والمعلوم أن العرب عند نشر الاسلام سيطرواعلى اراضيهم بعد ان طردوا منها الروم والفرس وبعدها سيطرت عليهم الامبراطورية العثمانية حيث قتلت العديد من الارمن وشتتتهم في ارجاء العالم.
فهل يمكن تحقيق هذا الحلم, وهل يمكن ان يكون حلم منطقي؟
هذا التفكيريتجاوز منطق التطورالاجتماعي لانه يتجاهل التطورالطبيعي لتكوين الشعوب من تشكيلات متنوعة بسبب الهجرة والترحال والتزاوج وبالتالي تشكيل شعب جديد متنوع المكونات يختلف عن الشعب الاول.
او يمكننا أن نتصورالفراعنة(موميائهم) يطالبون بمصر لانهم اول من أجدوا عليها ويجب اخراج الشعب المصري الحالي ,او يطالب الكلدان والسومريون بالعراق لانهم أول من أسس حضارة وادي الرافدين.

اما المحور الثاني في حق تقرير المصيريشمل حركات المقاومة القومية الوطنية وحقها في النضال من اجل الاستقلال, ولكنها دمجت قضيتها بقوى اسلامية. وربما نفهم من ذلك بانها لم تحصل على دعما الا من تلك الجهات الاسلامية والتي بالتاكيد لها مصالح دينية ربما او سياسية لدعم هذه الحركات التحررية مثل حركة حماس او حركات تحرر اقليم الاحواز من الاحتلال الايراني منذ عام 1925.
ويمكن أن نفهم اختيار هذه الحركات للطابع الديني هو إيمانها بان الصراع مع العدو هو صراع ديني كما هو الحال بالنسبة لحركة حماس على اعتباران اسرائيل تعبر عن نفسها بدولة يهودية.
وكذلك بالنسبة لحركة تحرير الاحواز, اذا اعتبرت ان ايران تريد تطهير المذهب السني او السلفي وجعل جميع المواطنين في الاحواز ايرانيين وشيعة وكانها ترمز الى الصراع السلفي الصوفي.
ولكن في النهاية يبقى تغليف القضية الوطنية بغطاء ديني يفقد هذه القضية المساندة والدعم العالمي من جميع الاديان المخالفة او القوى الديمقراطية التقدمية, ولكن تبقى لدي تحفظات على هذه المسالة.

تناولنا لهذا الموضوع كان من منطلق فتح الحوار لمن ينادي بأن شمال إفريقيا للأمازيغ والشرق الأوسط للآراميين والأشوريين والبابليين وأرض مصر للفراعنة. وذلك لانهم يسعون لاعادة ثقافتهم وحضارتهم.
وهنا أتسائل: الا يمكن ان يسترجعوا ثقافتهم وهم موجودون مع القوميات الاخرى على على نفس الارض ؟ اليس هناك صعوبة للامازيغ باسترجاع كل شمال افريقيا؟ او للآراميين باسترا كل مماليكهم؟ ولماذا لايدركوا بان العرب والمسلمون عندما نزحوا لبلادهم فقد تزاوجوا وتعايشوا معهم ولعديد منهم اعتنق الاسلام وبالتالي تكون شعبا مزيجا من ثقافات متنوعة .
إن الكثير من دول العالم المتقدمة تضم ثقافات مختلفة ضمن دولة فيدرالية أياتحاد اختياري يجمعهم مصير مشترك يسمى في القانون ( الاتحاد المركزي او الدولة الاتحادية ) وطبقت في المانيا وكذلك في امريكا عام 1787 وفي استراليا عام 1901 والمكسيك عام 1917 وسويسرا عام 1948 ويوجد في العالم اكثر من 30 دولة اتحادية تخضع لدستور فيدرالي ذو نظام تعددي برلماني .
بالنهاية على كل شعب ان يناضل ليتحرر وبكل تنوعاته الثقافية من نظامه الديكتاتوري, ثم عليه إحترام هذا التنوع الثقافي في بلده والسماح لكل قومية أن تمارس طقوسها ولغتها في البلد الواحد. وفي نفس الوقت نحترم ايضا رغبة الشعوب بالانفصال مثلما نحترم نضالها من اجل التحرر والاستقلال.
مكارم ابراهيم