الثلاثاء، 25 مارس 2014

حاضرنا ودرس من ماضينا

 بقلم: محمد حسنة الطالب 


تشهد شعوبنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم، تغيرا مخيفا في سيرتها وتسييرها نتيجة تحول جارف أضلها عن مسارها الحقيقي وبلغت به ما بلغت، ولم يعد هناك من مبرر لتجاهلها لتاريخها العظيم، ومآثر من كانوا يتدبرون أمرها ويراعون همومها واهتماماتها .
في زمننا هذا انحرف الراعي حسب أهوائه ورغباته الذاتية، وضلت الرعية طريقها في الحفاظ على مقوماتها ومميزاتها الأخلاقية والتاريخية النبيلة، وكأنما الجميع اتفق على الخروج عن المألوف والتوجه وجهة خطيرة دليلها الفساد والضياع، الذي أذهب روحهم وريحهم وكل مقدراتهم المعنوية والمادية، حتى أصبحت أمة الضاد والإسلام مجرد أشلاء ممزقة تعصف بها نزوات الأقوياء ومصالحهم الإستراتيجية، التي أذكت نار الفتنة والتناحر، وأججت الأحقاد ومظاهر الخيانة بين أبناء جلدة واحدة، غيبوا العقل وروح التفاهم وقيمة الوحدة والتلاحم عن أذهانهم لردح من الزمن، تخلوا في أثنائه عن عزتهم وهيبتهم عندما ضربوا بتاريخهم المشرف ومثلهم العليا ومبادئهم السامية عرض الحائط .
في زمن الأجداد كان المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وكانت الدولة الإسلامية مثالا رائعا في السيرة والتسيير، وفي العظمة وعلو الشأن والغيرة اللامتناهية على المصير، وهذا ما نحن اليوم في أمس الحاجة إليه للإقتداء به، أو على الأقل الاستفادة منه في حاضر مشوه، ومستقبل مجهول المعالم والعواقب، وقد لا يبشر بالخير إن بقي الحبل على الجرار .
وبالرجوع دائما الى ماضينا التليد وثقافتنا الأصيلة، يمكننا أن نقرأ دروسا كثيرة وعبرا من تاريخنا الزاخر بأصلح الأمور وأنبلها، دروس علينا تداركها واستنباطها على عجل قبل أن يمحوها إهمالنا المفرط وتخاذلنا المميت، وتصبح في بوتقة النسيان الأبدي .
وقبل أن يصبغ الضرر في العظم ويلون كافة الجسم من رأسه حتى أخمص قدميه، دعونا نستذكر إحدى هذه الدروس الثمينة على سبيل المثال لا للحصر، عل الذكرى تنفع المؤمنين من شعوبنا وتحركهم بحكمة وتعقل فقط بغية إعادة المياه الى مجاريها الأصلية، ولعلها ذكرى أيضا للنائمين من ولاة أمورنا عساها توقظهم من سبات عميق طال، وصاحبه شخير دائم وخنوع مذل تحت شفرة المقصلة، التي يهدد بإنزالها على رؤوسهم من ملكهم ذات يوم وأصبح يتحكم فيهم كالدمى ، وهنا تكمن المفارقة بين زمنين مختلفين تماما لأمة كانت سيدة قرارها وأصبحت في حل من كرامتها ووقارها :
يقال أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، سأل من طرف من يجمعون أموال الزكاة، عن كيفية صرفها؟
فقال لهم : أنفقوها على الفقراء .
فقالوا : ما عاد في أمة الإسلام فقراء .
قال : جهزوا بها الجيوش .
فقالوا : جيوش الإسلام تجوب الدنيا .
قال : فزوجوا الشباب .
فقالوا : من كان يريد الزواج زوج وبقي مال .
فقال : أقضوا الديون على المدينين .. فقضوها وبقي مال .
فقال : أنظروا المسيحيين واليهود من كان عليه دين فسددوا عنه .. ففعلوا وبقي مال .
فقال : أعطوا أهل العلم .. فأعطوهم وبقي مال .
فقال : اشتروا بها قمحا وانثروه على رؤوس الجبال لكي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين .

أليس هذا درس مفيد بكل المقاييس وغاية في الأهمية لمن يريد أن يعتبر من ماضينا الجميل، الذي لا ينبغي التنكر له أو إقباره مهما كانت الظروف والمعطيات، بل ويجب الأخذ به بجد وحزم، إذا ما أردنا حقا استعادة أمجادنا الضائعة منذ زمن، فهل من نخوة تعيد هذا الماضي النفيس، وتنعش ذاكرتنا المتعبة وتنقذ ذكرياتنا الذهبية من الأفول، تلك الذكريات العزيزة التي تحمل إلينا أمجادا غالية تركها أجدادنا القدامى وجعلت من أمتنا أيقونة عهدها في القوة والتلاحم وفي حسن السيرة والتسيير ؟
أعز الله عمر بن عبد العزيز وأهل زمانه، وأذل المنافقين والمتخاذلين من بعده في حاضرنا المسموم بالخصوصية والقبلية حينا وبالطائفية والمذهبية أخرى، وبالجهوية والعرقية والتمييز بكل أشكاله وألوانه في أحسن الظروف .