الأربعاء، 1 يناير 2014

من يحارب الاسلام؟



يعاني المسلمون في العالم أجمع من وطأة شيطنة فظيعة للاسلام تجعلهم موضوعاً لاضطهاد ممنهج تتشارك فيه شبكات السيطرة الاقتصادية والسياسية والاعلامية في العالم، على اختلاف اشكالها وأعراقها واديانها، بما فيها شبكات محسوبة على دول اسلامية.
يمكن للباحث التاريخي اعادة جذور هذه الظاهرة لقرون عديدة سابقة فيها نقاط علام عديدة منها فتح الأندلس ووصول جيوش المسلمين لحدود فرنسا، والحروب الصليبية وآليات اشتغالها والاساطير التي تشكلت بنتيجتها على ضفتي المتوسط، وتمدد الامبراطورية العثمانية وصولا الى تهديد فيينا في قلب اوروبا، بل يمكن سحبها رجوعاً الى حروب روما وقرطاجة وصراع الحضارات القديمة التي انتهت بسيادة كبيرة للحضارة الاوروبية ووضوح تسيّدها وتفوقها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا مما خلق توتراً كبيراً بين أكبر أديان المعمورة: الاسلام والمسيحية، حيث أن اوروبا، منذ مجمع نيقية الكنسي تبنّت هذا الدين الشرقيّ واعتبرته أحد أكبر عناوين ثقافتها الظافرة.
فرضت معادلة السيادة الثقافية والاخلاقية هذه احساساً عارماً بالتفوق لدىالغرب وشعوبه قابله إحساس عارم معاكس بالهزيمة الحضارية لدى غالبية شعوب الاسلام، تجلّى في سؤال حارق لديهم لخصه كتاب شكيب ارسلان: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وهو ما جعل الغرب مجالهم الأول للمقارنة والتقليد والتنافس والتعلّق دون تحفظ او الكراهية دون حدود.
استلزمت ديمومة السيطرة الغربية على شعوب ‘العالم الثالث’ آلة تنظير كبيرة لتبرير وادامة التفوق بدعاوى عنصرية عرقية او ثقافية، من قبيل تفوق الشعوب الآرية وتخلف الشعوب السامية، او تخلف الدين الاسلامي، لا باعتبار هذا التفوق الغربي نتيجة لدورة تاريخية طبيعية فحسب، وتأسس بذلك ‘الاستشراق’ وظهرت فلسفات واتجاهات فكرية وسياسية تحطّ من شأن الشعوب غير الغربية، وكان للمسلمين النصيب الأكبر من التنميط والتحقير، وهي نتيجة طبيعية لقرون طويلة من الحروب والمواجهات والتنافس على الجغرافيا والتاريخ والسياسة.
كان تأسيس اسرائيل عام 1948 هو ذروة تحويل الاستشراق ونظرياته الأسطورية حول جغرافيا وتاريخ المنطقة الى فعل كاسر وهمجي بحق شعوب المنطقة العربية، وهي للمناسبة، فكرة بدأت أثناء حملة نابوليون على فلسطين، وما لبث دهاقنة الاستشراق الغربيون أن تلقفوها وساهموا في تحقيقها قبل أن يتم تلبيسها على أيدي يهود غربيين منخرطين في المشروع الاستعماري الغربي.
تراوحت ردود الفعل على هذه الحرب الثقافية لاخضاع المسلمين سياسيا واقتصادياً بين اتجاهات سياسية شتى استبطن بعضها أفكار الاستشراق الغربي للاسلام ودعت الى استبدال الهوية الحضارية للشعوب الاسلامية بأخرى مفصلة وجاهزة في الغرب ولا حاجة سوى لتطبيقها بحذافيرها كي تمشي البلدان الاسلامية على صراط الحداثة المستقيم وتندفع باتجاه الازدهار والتقدم والتنمية.
كان ذلك الأساس النظري لنشوء الحركات والاتجاهات الفلسفية والسياسية الاجتماعية العلمانية العربية الحديثة.
ورفض بعضها الآخر الغرب وحضارته، أو تقبّل جزءا من حداثتها التقنية لكنه رفض أسسها الفلسفية وتطبيقاتها السياسية، وكان ذلك جذر أغلب حركات الاسلام السياسي، التي يمكن عدّها هي أيضاً نتاجاً للغرب لا استمراراً لتقاليد ثقافية سابقة فحسب.
وفي تحدّ ذي مغزى لمنطق نظريات الاستشراق العنصرية فان الشعوب الاسلامية لم تغرق في رد الفعل النرجسي لهزيمتها الحضارية بل اقتدى أغلبها بمثال الدول الغربية واتجه لتحقيق دول حديثة ببرلمانات واحزاب سياسية وصناعات وتجارة وسياحة وأدب وفن وسينما ومسرح.
تقبلت نخب أغلب الدول العربية، وخصوصا التي كانت مستعمرة، فكرة الدولة الحديثة على الصورة الغربية وآمنت ببناء دولة عربية كبرى حديثة تشارك باقي شعوب العالم طموحها في التقدم والازدهار. كانت الآمال كبيرة والأحلام عالية والشعوب متطلعة لانجاز ما رفعته أحزابها القومية واليسارية وضباط جيوشها من شعارات الوحدة والاشتراكية ومواجهة الاستعمار واسرائيل، من اليمن الىالعراق فسوريا ومصر والسودان والجزائر وليبيا الخ…
استغرقت هذه المرحلة اكثر من 50 عاماً هوت خلالها البلدان المذكورة الى دكتاتوريات غاشمة تحالف فيها الاستبداد بالفساد وكشفت عن فشل حضاري وثقافي واقتصادي وسياسي وتعرضت لهزائم عسكرية مخزية وانحدرت في أغلب الأحيان الى مدارك من الوحشية ضد شعوبها لا يصدقها العقل.
في دفاعها الفاشل عن تجاربها تعزو بعض هذه التجارب فشل التجارب القومية واليسارية العربية لوجود اسرائيل التي هزمت جمال عبد الناصر وحزب البعث السوري وضربت المفاعل النووي العراقي واستنزفت ميزانيات الدول العربية بالتسلح، لكن هذه الحجة على رجاحتها لا تنفي حقيقة ان اسرائيل كانت عاملاً مساعداً في ايصال الجيوش (تحت رايات القومية والبعث واليسار) الى السلطة، فالتحدي الاسرائيلي خلق قابلية شعبية لعسكرة البلدان العربية كرد على اسرائيل.
الحقيقة التي يجب تأكيدها هي أن حركات الاسلام السياسي غير مسؤولة عن هذا الخراب الهائل الذي طال البلدان العربية وهي تحصد عواقب الفشل الجذري العميق لأداء الحركات العلمانية (من أفغانستان مرورا باليمن وسوريا وحتىالسودان)، لكن ذلك لا يعطيها صكاً مفتوحا للحكم، ويعفيها من مجابهة الأسئلة العميقة التي طرحتها الحركات العلمانية وفشلت في الاجابة عليها.
الشعوب العربية لا تنتظر خطابات ايديولوجية بل حلولاً واقعية وحقيقية لا تجيب عليها الشعارات.
صعود حركات التطرف الاسلامي هي من انجازات حكومات ‘العلمانية’ العربية المزعومة لا الاسلام السياسي الذي استطاع رغم قمع عقود الحفاظ على اعتداله ووسطيته، وهو ما يناقض القولبات الاعلامية المعادية للاسلام باسم معاداة الارهاب، سواء جاءت من روسيا والصين واوروبا… او من المملكة العربية السعودية!




المصدر: القدس العربي