الأحد، 13 مايو 2012

البوليساريو ورهانات العقد الرابع


عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
تحل ذكرى تاسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ,عيد وطني (وعطلة مدفوعة الاجر) و مناسبة يسترجع فيها الصحراويين الذاكرة الى الوراء , الى ما قبل تسعة وثلاثون سنة , اين اُعّلِنت جبهة البوليساريو منظمة سياسية جامعة لكل الصحراويين , كيان سياسي موحد يصبو الى تحقيق امالهم وتطالعاتهم في الانعتاق من كل اصناف الاستعمار ,العبودية , التبعية , الجهل والتخلف , حدث ذلك في العاشر من مايو سنة ثلاثة وسبعين تسع مئة والف , على لسان فئة قليلة من الرجال تحذوهم عزيمة بوزن الجبال , شعارهم بالبندقية ننال الحرية .
منظمة سياسية فتية , اخذت على عاتقها احمال ثقال , من معارك تحرير البلاد عسكريا من هيمنة مستعمر اسباني عمر طويلا و اطماع جار مغربي جائر , الى محافل التشهير بالقضية الوطنية وكسب الاعتراف بها دبلوماسيا مرورا بتحديات بناء الانسان الصحراوي وتأهيله اجتماعيا .
دروب وعرة بامكانات شحيحة وتجربة وليدة , حققت فيها المنظمة نجاحات جبارة وانجازات مبهرة لا يمكن التنكر لها ابدا , كما حققت الكثير من ذيع الصيت, وان بقى الاهم لم يتحقق بعد , اُسّكِتتْ البنادق الى أجل غير مسمى , و عُلِقَ الحلم بالحرية , واؤجل المنال بتجسيد الدولة الصحراوية المستقلة , وان الى حين , او ربما هي استراحة محاربة وان طالت.
اليوم , المنظمة الصحراوية على اعتاب العقد الرابع من تأسيسها , و بلفظ آخر , تعانق اربعين سنة من مسيرتها بكل ما حوت من نجاحات واخفاقات , من تقدم وانتكاسات, من صمود و توحد , استطاعت ان تجتاز الكثير من المطبات رغم كل التقلبات الاقليمية والدولية , ورغم ما واجهته من عواصف مدعومة بقوة فيتو الاعداء وتخاذل الاخوان من ذوي الملة واللسان.
وان كنت آمّيلُ الى استعمال عبارة العقد الرابع , منها الى اربعين سنة , لأن هذه الاخيرة تقع على اذن السامع بشئ من التضخيم والتهويل المصحوب بتثبيط للعزائم وجلد للذات , خاصة اذا ما قسنا هذه السنين بمقياس اعمارنا كبشر لا كأمم , و ما يلازم ذلك من الاحساس بالاعراض الجانبية لتجاعيد السنين.
ومن نافلة القول , الاقرار بان هذه الحقبة الزمنية ( الاربعينية) – ان جاز الوصف - سنين كانت ام اياما, لها دوما تأثير مفصلي في سيرورة الاحداث والوقائع وكتابة التاريخ .
فالانسان و منذ بدء تكوينه فانه لا يكتمل تكونه كجنين في بطن امه الا بعد اربعين يوما , حيث دلت نصوص القرآن الكريم على أن الإنسان يخلق على أطوار ومراحل متتالية : قال تعالى "وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا "
اذن الوصف القرآنى لأطوار الجنين الأولى و شرح المفسرين لها و التحديد الزمنى الدقيق لها فى السنة النبوية المطهرة تتوافق و الحقائق العلمية فى علم الأجنة الحديث , و أن الأطوار الثلاثة الأولى (النطفة و العلقة و المضغة ) كلها تقع فى أربعين يوماً.
ولكن اعظم الاحداث والوقائع التي شكلت الاربعين سنة , تحولا مفصليا فيها , كانت على الاطلاق هي البعثة النبوية الشريفة وبداية نزول الوحى على الرسول صل الله عليه وسلم , الحدث الذي غير مسار الحياة البشرية جمعاء , واخرجها من الكفر الى الايمان , من الجهل الى العلم , من الظلمات الى النور ومن الضلال الى الهداية .
فالقول المشهور الذي أطبق عليه العلماء وهو الصحيح عند أهل السير والعلم والأثر، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل عليه الوحيُّ كان في الأربعين من عمره
و ذٌكرت الاربعين في القرآن الكريم في مواضع عدة , بل يكاد يقترن العدد اربعين في اذهاننا بوقائعَ موصولةٍ في الغالب بمعنىً ديني يكاد يضفي عليه لوناً من القداسة الدينية , لكل منها دلالة معينة , نورد منها مثلا لا حصرا :
قال عز من قائل
" قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ"
وتلكم هي قصة التيه الذي حصل لبني إسرائيل والذي استمر أربعين سنة يتيهون في الصحراء بسبب نكوصهم عن الجهاد وكثرة عنادهم واستكبارهم وجدالهم .
ويقول المولى عز وجل
" وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين"
وتلكم دلالة بلوغ الإنسان أشدَّ نضجه واكتماله في الأربعين من العمر و توفيقه الى التوبة وحسن الخاتمة.
وقال عز من قائل
"وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ"
وتلكم مواعدة الله سبحانه للنبيّ موسى على جبل الطُّور أربعين ليلة ومن ثمة التكليف وحمل الرسالة . ومن قصص القرآن الكريم ان ‌ بين‌ رؤيا يوسف‌ (عليه‌ السلام‌) وتحقّقها أربعين‌ سنة كاملة .‌
كما تركت الاربعينة بصمتها البارزة لوضع النهايات لأمهات الحروب والصراعات , اما سارة بالانتصار او دراماتكية بالانكسار او ما بين ذلك قواما.
و من الحروب و الصراعات التي دامت وانتهت بعد اربعين سنة نجد ان اشهرها على الاطلاق حرب داحس والغبراء و حرب البسوس التي كانتا في زمن الجاهلية .
اما داحس والغبراء وهي من اشهر الحروب المؤلمة التي قامت في تاريخ العرب , كانت بين قبيلتي عبس وذبيان والسبب الذى اشعل شرارة هذه الحرب الضروس كان السباق الذى أجرى بين الفرسين داحس والغبراء, دامت هذه الحرب اربعين سنة وحصدت الكثير من الارواح , وانتهت بعد قيام رجلان شريفان هما الحارث بن عوف وهرم بن سنان فأديا من مالهما ديات القتلى وأطفآ بذلك نار الحرب.
واما البسوس فهي حرب قامت بسبب ناقة لامرأة اسمها البسوس بنت منقذ، وذلك بين قبيلتي بكر وتغلب , استمرت اربعين عاما , عقب مقتل كليب بن ربيعة التغلبي على يد جساس بن مرة البكري , انتهت بانتصار تغلب على بكر , بعد حصد ارواح كثيرة.
وفي التاريخ الحديث , فان الزعيم التاريخي لمنظمة التحرير الفلسطينية السيد ابو عمار ياسر عرفات , ظلت اسرائيل تطارده منذ ان كان مناضلا في صفوف المنظمة الفلسطينية سنة 1964 ولم تتمكن منه الا في سنة 2004 , اي بعد اربعين سنة من مسلسل طويل من المطاردات ومحاولات الاغتيال الفاشلة برا وجوا .
ومن باب المفارقة يجدر بنا ذكر الحرب الإنجليزية الزنجبارية، التي قامت بين المملكة المتحدة وزنجبار سنة 1896 واستمرت الحرب 40 دقيقة لتكون بذلك اقصر حرب مسجلة في التا يخ .( زنجبار كانت ذات سيادة اما الان فتتبع لتنزانيا) .
كما ان للعدد اربعين دلالات رمزية حاضرة في الموروث الشعبي مستوحاة من القصص والامثال الشعبية والمعتقدات والطقوس القديمة المحفورة في ذاكرة عامة الناس . لما للتراث الشعبي من اهمية في حياة المجتمعات الانسانية بتقديمه صور الحياة بشفافية واصالة , من تلك المعتقدات والطقوس:
ان المولود حديث الولادة لا يخرج من المنزل الا بعد اربعين يوما , باعتقاد انه اصبح محصنا من الحسد والعين والجن , ويكون ذلك اول عهده بممارسة اولى طقوس الحياة بحلاقة شعر الراس . والحال مع امه بالعودة الى ممارسة اعمالها المنزلية والتعبدية.
القول بان الشخص المؤمن يأمن‌ ‌ من‌ الجنون‌ والجذام‌ والبرص‌ إذا بلغ‌ أربعين‌ عام .
اقترن مفعول التداوي بالطب التقليدي عند المجتمع الصحراوي بالمداومة عليه اربعين يوما , والامثال كثيرة .
وعرف الصحراويين قديما بنظامهم المتميز والمتمثل في مجلس ايت أربعين، السلطة العليا التي تضم في تشكيلتها وجهاء الأعيان من كل القبائل الذين تفوضهم لتمثيلها ,يصدر قراراته بالإجماع طبقا للأعراف والتقاليد وعلى قاعدة الشريعة الاسلامية .
ما بين البلوغ والتكليف والتيه اين ستكون القضية الصحراوية وهي على مشارف الاربعين ؟ و هل سيكتب المؤرخين ان قضية الصحراء الغربية وحربها مع العدوالمغربي قد شهدت نهايتها بعد اربعين عاما ؟ وماذا اعددنا للاربعينية القادمة ؟
بنو اسرائيل بعد اربعين سنة من التيه في الصحراء اهتدوا , فما هو السيناريو المحتمل للصحراويين بعد اربعينيتهم من الصمود في الملاجئ والشتات وتحت سيطرة الاستعمار؟ التمسك بأمل المفاوضات في متاهة الامم المتحدة , عله يخرج من صلبها يوما ما حكماء اشراف من طينة الحارث بن عوف وهرم بن سنان , ليدفعا الديات وينهوا الالام والاهات .
جبهة البوليساريو بعد اربعين سنة , فأما البلوغ فقد بلغت , واما التكليف فقد كان لها ذلك باكرا , واما حسن الخاتمة , فاننا نرفع اكف الضراعة والرجاء الى الله عز وجل ان يحسنها وان يجعل خير اعمالنا خواتمها , وان يبعد عنا التيه والنكوص والعناد والاستكبار والجدال .
السلام على االجميع ....... وتصبحون على وطن حر



سالم احمودة الصغير