السبت، 4 فبراير 2012

محمد عبد العزيز: "استمرار تأجيل تمكين الشعب الصحراوي من حقوقه ليس في صالح العالم الذي تصبو له البشرية" (نص الخطاب)


حذر رئيس الدولة الأمين العام للجبهة، محمد عبد العزيز، في كلمته الإفتتاحية أمام الندوة الأوروبية الـ37 للتنسيق التضامن مع الشعب الصحراوي اليوم الجمعة في إشبيلية الإسبانية، من ان استمرار تأجيل تمكين الشعب الصحراوي من حقوقه ليس في صالح العالم الذي تصبو له البشرية.

وقال رئيس الدولة في خطابه الذي تناول عددا من القضايا والتطورات الأخيرة أن "ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال ستبقى ديناً على كاهل المجتمع الدولي، واستمرار تأخيره ليس في صالح العالم الذي تصبو إليه البشرية، لأن العدالة والقانون وحقوق الإنسان كل لا يتجزأ، وعدم الصرامة في تطبيقها أو التهاون فيها يقود إلى مخاطر متزايدة، تهدد الأمن والسلم العالميين".

وأشار إلى "المماطلات والعراقيل التي تقوم بها الحكومة المغربية، دون عقاب، لا تنفك تزرع ألغام الريبة وقنابل الشك في جدوى الخيار السلمي، وتفتح باب التوتر والانزلاق، مما يفرض على المجتمع الدولي التحرك العاجل والصارم. فإلى متى يسمح العالم بهذا الظلم والإجحاف السافر؟ ولماذا لا يفرض كل الضغوط والعقوبات اللازمة على الطرف المعتدي حتى يـمـتـثـل للحل السلمي الديمقراطي العادل؟"

وفي ما يلي نص خطاب الرئيس كاملا كما وردنا:
---------------------------------------


كلمة الأخ محمد عبد العزيز، رئيس الجمهورية، الأمين العام للجبهة، في افتتاح الندوة السابعة والثلاثين للتنسيقية الأوروبية لدعم الشعب الصحراوي، سيبييا (إسبانيا)، 03 فبراير 2012
----------------------------------------------------------------------------------------------
السيد بيير غالان، رئيس التنسيقية الأوروبية لدعم الشعب الصحراوي،
أعضاء مكتب التنسيقية،
السيدات والسادة، الصديقات والأصدقاء

ونحن نفتتح أشغال هذه الندوة الدولية السابعة والثلاثين للتضامن مع الشعب الصحراوي في مدينة إشبيلية، وباسم حكومة وشعب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، أود أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان إلى الحركة التضامنية في إسبانيا عامة وفي الأندلس و إشبيلية خاصة، على جهودها واندفاعها في تنظيم هذا اللقاء التضامني المتميز في هذه المدينة العريقة.

في هذا الوقت الذي نخلد فيه مع التنسيقية الأوروبية مؤتمرها السابع والثلاثين، نتذكر معاً باحترام واعتزاز رواد الحركة التضامنية في أوروبا وفي العالم، ونقف وقفة تبجيل في ذكرى أولئك الذين رحلوا عنا وتركوا وراءهم تاريخاً مجيداً من الصداقة والتضامن بين الشعوب، وهو ما يجسده الطابع الدولي الذي اكتسته على مر السنين هذه الندوة التي تشهد اليوم مشاركة واسعة ومتنوعة من كل قارات العالم.

السيدات والسادة،
ستبقى ممارسة الشعب الصحراوي لحقه في الحرية وتقرير المصير والاستقلال ديناً على كاهل المجتمع الدولي، واستمرار تأخيره ليس في صالح العالم الذي تصبو إليه البشرية، لأن العدالة والقانون وحقوق الإنسان كل لا يتجزأ، وعدم الصرامة في تطبيقها أو التهاون فيها يقود إلى مخاطر متزايدة، تهدد الأمن والسلم العالميين.

فالمماطلات والعراقيل التي تقوم بها الحكومة المغربية، دون عقاب، لا تنفك تزرع ألغام الريبة وقنابل الشك في جدوى الخيار السلمي، وتفتح باب التوتر والانزلاق، مما يفرض على المجتمع الدولي التحرك العاجل والصارم. فإلى متى يسمح العالم بهذا الظلم والإجحاف السافر؟ ولماذا لا يفرض كل الضغوط والعقوبات اللازمة على الطرف المعتدي حتى يـمـتـثـل للحل السلمي الديمقراطي العادل؟.

وفشل الأمم المتحدة خلال أكثر من عشرين سنة في تطبيق قراراتها حيال قضية بسيطة وواضحة أمر لا يمكن تفهمه ونحن نرى سرعة التحرك والفعالية التي ميزت ميكانيزمات مجلس الأمن والأمم المتحدة عامة حيال نزاعات وقضايا لاحقة للقضية الصحراوية.

ليس للشعب الصحراوي سوى مطالب بسيطة وواضحة، شرعية ومعقولة، تتجسد في الديمقراطية، عبر استفتاء تقرير المصير، وتطبيق القانون الدولي الإنساني، عبر احترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية.

إن أوروبا مدعوة إلى المساهمة الفعالة في إيجاد حل عادل ونهائي لنزاع الصحراء الغربية، ولا يجب أن تناقض نفسها ومبادءها وقيمها، فتسارع إلى حماية حقوق الإنسان والمدنيين، بكل السبل، بما فيها التدخل العسكري، في أماكن عديدة من العالم، وتغض الطرف عن انتهاك القانون وحقوق الإنسان في الصحراء الغربية من طرف قوة الاحتلال المغربية.

لقد سجل القرن العشرون خرقاً سافراً واعتداءاً ظالماً على ميثاق وقرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الأساسية والقانون الدولي عامة، من خلال احتلال المملكة المغربية بالقوة العسكرية، في 31 أكتوبر 1975، لبلد في طور تصفية الاستعمار وتقرير المصير، هو الصحراء الغربية، وعدم وفاء إسبانيا بالتزاماتها الدولية، باعتبارها كانت ولا تزال هي القوة الاستعمارية والإدارية للإقليم.

وإننا اليوم لنأمل أن يكون التوجه الذي حدده البرنامج الانتخابي للحكومة الإسبانية الحالية نقلة تصحيحية تمكن إسبانيا في القرن الحادي والعشرين من لعب الدور الفعال المنسجم مع مسؤوليتها السياسية، القانونية والأخلاقية، تجاه الشعب الصحراوي.

السيدات والسادة،
لقد برهن الشعب الصحراوي ويبرهن اليوم على حكمته وصبره إزاء كل مظاهر الظلم والطغيان، وخاض انتفاضة الاستقلال منذ 21 ماي 2005، في إطار مقاومة سلمية حضارية راقية، حتى كان مخيم اقديم إيزيك في نوفمبر 2010، رغم الوحشية العمياء التي عامتله بها سلطات الاحتلال المغربي، شرارة وإشعاعاً أنار درب الشعوب التواقة للحرية والعدالة والديمقراطية والسلام.

ومن جراء ذلك التدخل الهمجي، لا زال هناك اليوم 23 معتقلاً سياسياً صحراوياً في السجون المغربية، وصل الأمر بالحكومة المغربية إلى الإعلان نهاراً جهاراً بأنها ستقدم هؤلاء المدنيين إلى المحاكمة العسكرية في القرن العشرين.

لكل ذلك، فالحركة التضامنية مدعوة اليوم إلى المزيد من مرافقة المقاومة السلمية التي يخوضها الشعب الصحراوي، برفع الحصار المغربي المفروض، عسكرياً وإعلامياً، على الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، ومؤازرة مناضلات ومناضلي انتفاضة الاستقلال الذين يتعرضون لأبشع ممارسات التضييق والترهيب.

فالمقاومة السلمية الصحراوية بحاجة إلى المؤازرة، بالمتابعة الدائمة لها في المنابر الحقوقية والإعلامية، والتواجد المكثف في عين المكان، كنشطاء حقوقيين وإعلاميين ومراقبين مستقلين ومتضامنين وشهود، لأن ممارسات الاحتلال المغربي تجاوزت كل الحدود. وإن حالة سعيد دمبر، الذي اغتاله شرطي مغربي، ولا زال جثمانة لم يوارَ الثرى، بسبب رفض الحكومة المغربية عرضه على الخبرة الطبية لمعرفة كل ملابسات تلك الجريمة النكراء، إنما تؤكد بشاعة تلك الممارسات.

إننا نطالب الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها تجاه إقليم تابع لها، والتدخل العاجل من أجل إطلاق سراح يحي محمد الحافظ إيعزة وجميع المعتقلين السياسيين الصحراويين في السجون المغربية، والكشف عن مصير أكثر من 651 مفقوداً صحراوياً لدى الدولة المغربية، والتعجيل بإنشاء آلية أممية تمكن بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، المينورسو، من حماية حقوق الإنسان هناك ومراقبتها والتقرير عنها.

لقد حان الوقت لإنهاء الجريمة ضد الإنسانية التي يمثلها الجدار العسكري الفاصل الذي أقامته الدولة المغربية وتقسم به شعب وأرض الصحراء الغربية، على امتداد 2700 كلم، بما يحتويه من آلات الدمار وملايين الألغام، بما فيها المضادة للأفراد، المحرمة دولياً، وبما لكل ذلك من آثار جسيمة على الإنسان والحيوان والبيئة.

وفي وقت نسجل فيه قرار الكونغرس الأمريكي بربط المساعدات العسكرية إلى المغرب باحترام حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، ونحيي موقف البرلمان الأوروبي الذي رفض التجديد لاتفاقية الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المغربية، لكونها انتهاك صارخ للقانون وتوريط للشعوب الأوروبية في عملية سطو وسرقة واستغلال غير شرعي لثروات شعب أعزل ومحتل، فإننا ندين عمليات النهب المغربي، الجشع والمكثف، لتلك الثروات، ونطالب بوقفها فوراً والامتناع عن توقيع أية اتفاقية تمس الأراضي أو المياه الإقليمية للصحراء الغربية المحتلة.

وبهذه المناسبة، فإننا نعبر عن كامل تضامننا مع كل الصيادين الإسبان المتضررين من عدم تجديد اتفاقية الصيد البحري لأنهم، على غرار الشعب الصحراوي، ضحية للسياسات الاستعمارية المغربية، والمسؤول الأول والأخير عن مأساتهم هو الحكومة المغربية، ونهاية هذه المأساة، على غرار مأساة الشعب الصحراوي، يكمن في التعجيل بحل قضية الصحراء الغربية حتى يتمكن كل الصيادين من العمل في إطار قانوني وشرعي وفي ظل السلام والاستقرار.

السيدات والسادة،
في هذه المناسبة نحيي بحرارة هذه الحركة التضامنية التي لم تزدها الأيام إلى ثباتاً ورسوخاً وتوسعاً وانتشاراً، ونعبر عن تقدير الشعب الصحروي وتثمينه لأنشطتها ونضالاتها وتضحياتها ومعاناتها، وندين ما تعرضت له وما تتعرض له من عرقلة واستفزاز وتنكيل من طرف سلطات الاحتلال المغربي لمنعها من زيارة الأراضي المحتلة، على غرار الاعتداء الجبان الذي تعرض له البرلماني الأوروبي ويلي ميلر في مدينة العيون المحتلة.

كما ننتهز هذه الفرصة لكي ندين أشد ما تكون الإدانة العمل الإرهابي الإجرامي الجبان الذي تعرضت له مخيمات اللاجئين الصحراويين، وانتهى باختطاف ثلاثة متعاونين أوروبيين في المجال الإنساني، إينوا فيرناندث دي رينكون، AINOA FERNADEZ DE RINCÓN، وإينريك غونيالونس، ENRIC GONYALONS، و روسيلا أورو، ROSSELLA URRU.

وإذ نؤكد بأن الجمهورية الصحراوية، المرتبطة بمعاهدة مكافحة الإرهاب في إطار الاتحاد الإفريقي، ملتزمة ببذل كل الجهود لتحرير الرهائن في أسرع الآجال، فإننا ندعو هذه الندوة والعالم أجمع إلى إدانة هذه الجريمة والتضامن مع الضحايا وعائلاتهم.

كما نعبر عن القلق والأسف الشديد لكون جارتنا المملكة المغربية هي أكبر منتج ومصدر للحشيش في العالم، مما يجعل هذا البلد اليوم مصدراً ليس فقط لفلسفة وممارسات التوسع والاحتلال والاستعمار، ولكن أيضاً للمخدرات التي أصبحت مقترنة بالإرهاب الأعمى الذي يهدد أمن واستقرار المنطقة.

إن الحديث عن الحركة التضامنية العالمية سيقودنا حتماً إلى الجزائر الشقيقة، والتي تشبثت بإصرار بمبادئ الشرعية الدولية، وفي مقدمتها تصفية الاستعمار وتقرير المصير، واستقبلت عشرات الآلاف من النساء والأطفال والعجزة الصحراويين الذين فروا من قنبلة طائرات الجيش المغربي بالنابالم والفوسفور الأبيض، المحرمة دولياً، ووفتحت لهم أرضها ومستشفياتها ومدارسها، بكل سخاء.

كما نحيي الشعب المغربي الشقيق، الذي وقع مثلنا ضحية لسياسات نظام ظالم ومستبد، ونشيد بتلك المواقف المعبر عنها من طرف أحزاب ومنظمات وشخصيات مغربية، مثل النهج الديمقراطي والجمعية المغربية لحقوق الإنسان وغيرها، والتي تتشبث بمبادئ الحرية والكرامة والنضال من أجل إحقاق العدالة والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والشعوب، بما ينسجم مع القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني

السيدات والسادة،
إن كفاح الشعب الصحراوي وصموده، طوال أكثر من 37 سنة أمام محاولات إبادته والقضاء على مقومات وجوده السياسية والاجتماعية والثقافية، إنما يشكل الدليل القاطع والنهائي على أن إرادة الشعوب لا تقهر، والبرهان الساطع على تشبثه الأبدي بحقه المقدس في تقرير المصير والاستقلال، مهما كلف ذلك من ثمن ومهما اقتضى من زمن.

وقد كان المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليساريو الذي عقد نهاية السنة الماضية مناسبة للتأكيد على الخيارات الاستراتيجية للشعب الصحراوي في الحرية والاستقلال، وأولويات العمل الوطني خلال السنوات القادمة، التي يأتي في مقدمتها بناء الإنسان ومؤسسات الدولة ودعم المقاومة السلمية والتحسين المستمر للتسيير والخدمات.

وفي أفق جولة جديدة من المفاوضات المباشرة بين جبهة البوليساريو والمملكة المغربية، فإن المؤتمر الذي أكد على حق الشعب الصحراوي في الدفاع عن حقوقه بكل السبل التي تكفلها له الشرعية الدولية، جدد الرغبة الصادقة للطرف الصحراوي في التعاون البناء مع جهود الأمم المتحدة. وإننا لنأمل صادقين أن تتحلى الحكومة المغربية بروح المسؤولية وتتخلى عن منطق التعنت وتتوقف عن عرقلة مسار تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية، عبر استفتاء حر، عادل ونزيه لتقرير المصير للشعب الصحراوي، انسجاماً مع قرارات الشرعية الدولية.

كما أن شعار المؤتمر، "الدولة الصحراوية المستقلة هي الحل"، كونها أصبحت حقيقة لا رجعة فيها، إنما يجسد إرادة وطموحات الشعب الصحراوي في الانعتاق، ولكن أيضاً في تكريس مجتمع ديمقراطي معاصر، مرتكز على مثل الحرية والعدالة والمساواة بين الجنسين والتعايش بين الأديان والثقافات.

وإننا لفخورون اليوم بالدور الريادي الذي تضطلع به المرأة الصحراوية في مؤسسات الدولة، وعلى كل المستويات. كما نعتز بالمكانة التي ظل يحتلها الشباب في مسيرة الكفاح الوطني، والتي نصر على تعزيزها وتطويرها، حاضراً ومستقبلاً.

غير أن الشعب الصحراوي يواجه اليوم تحديات وصعوبات ناجمة عن تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية والتي لا شك سيكون لها الأثر الواضح، وخاصة في حالة لاجئين يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الإنسانية.

ولا يخامرنا شك في أن الحركة التضامنية ستكثف مجهودها النبيل المشكور، لأننا على مطلق الثقة بأن تضامن هؤلاء الأصدقاء الأوفياء للحق والقانون والعدالة إنما يزداد ويتضاعف كلما اشتدت الظروف قساوة.

كونوا على يقين بأن الصحراويين اليوم، بقيادة جبهة البولساريو، رغم ويلات الحرب ومعاناة الانتظار، في الأرض المحتلة وجنوب المغرب والأرض المحررة ومخيمات اللاجئين والجاليات وفي كل مكان، مجمعون على التشبث بخياراتهم الوطنية، ومصممون كل التصميم على الدفاع عن حقوقهم المقدسة بكل الطرق المشروعة، حتى استكمال سيادة الجمهورية الصحراوية على كامل ترابها الوطني.

فباسم حكومة وشعب الجمهورية الصحراوية، أجدد لكم جميعاً جزيل الشكر والعرفان على التزامكم التاريخي والمبدئي إلى جانب قضيته العادلة، متمنياً كل التوفيق لأشغال هذا المنبر التضامني الدولي الخالد.

والسلام عليكم