الأحد، 29 يناير 2012

تمارة، مركز التعذيب في المغرب (مقال الصحفي المغربي على عمار ترجمة المهندس سيدي أمحمد أحمد)


ينفي المغرب وجود معتقل للتعذيب بالقرب من الرباط حيث تقوم الشرطة بالتعذيب بلا حدود، على الرغم من تزايد الشهادات وتقارير التحقيقات الدامغة.

إبان حكم الحسن الثاني، كانت "تمارة" التي تقع على بعد بضعة كيلومترات جنوب الرباط، مرادفا للترف ورفاهة العيش. وقد تغيرت جذريا سمعة هذه البلدة الصغيرة المبطنة بمنتجع بحري رائع. في نهاية الطريق الطويل والمتعرج المحيط بها، يختبئ معشعشا في عمق الغابة التي تحيط بالعاصمة، مركز اعتقال سري يمكنه انتزاع جائزة الرعب على حساب سجن "تازمامارت" الشهير وسيئ السمعة والذي يرمز لسنوات الرصاص.

في عهد محمد السادس، استمرت المخابرات المغربية في ممارسة التعذيب بقسوة وسوء معاملة في ظروف احتجاز مروعة. فمئات الرجال والنساء- حيث لا توجد أرقاما دقيقة معروفة - مرت على تلك الزنزانات الضيقة التي لم تكن سوى سراديب او حفر.
تحديد مكان السجن بواسطة "غوغل - ارض"_
لقد فك المحامي والمدون "ابن كافكا" رموز الظلامية عندما بين بالتحديد موقع معتقل "تمارة" من خلال فيديو وباستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية "غوغل - الارض" على الموقع الاكتروني (مامفاكينش) الذي أنشئ في سياق الربيع العربي.
"ان مركز "تمارة" – الذي يعتبر رسميا مقر إدارة الأمن الإقليمي (DST، التي أعيدت تسميتها DGST - الإدارة العامة للمحافظة على سلامة التراب الوطني - منذ عام 2003) ليس فقط مجرد مجمع مكاتب. فالمركب ينتشر على عدة هكتارات، حيث يتم تثبيت الصحون اللاقطة للأقمار الصناعية، كما يمكن أيضا ملاحظة أنواع أخرى من الهوائيات وتوجد به حتى طرق ذات اتجاهين والتي يمكن أن تسمح بهبوط الطائرات الصغيرة، مثل "سيسنا"، حسب موقع إخباري آخر هو "دومان اونلاين" (يمكنك الاستماع الى الشهادات الصوتية عن الموقع الجغرافي لهذا المعتقل السري في الفيديو على الموقع الالكتروني :www.demainonline.com).

لكن ما هو غير واضح، على العكس من ذلك فهو السجن الموجود تحت الأرض والذي تستخدم زنازينه كغرف للتعذيب حسب شهادات العديد من النزلاء، المغاربة والأجانب الذين تمت "استضافتهم"
يضيف نفس الموقع السابق.

شريط الفيديو المذكور يظهر ان موقع "تمارة" لا يبعد سوى 2 كم فقط عن الإقامة الملكية "دار السلام" .

أبو أغريب المغربي
منذ تصاعد ملاحقة الإسلاميين بعد هجمات الدار البيضاء سنة 2003، - فان الآلاف من الناس بمن فيهم النساء والمراهقين الذين القي القبض عليهم خلال المداهمات التي شنتها الشرطة في المدن الكبرى، والبعض منهم تم اختطافهم من قبل الأجهزة السرية. في انتهاك تام للإجراءات القانونية، حيث كان يتم اقتيادهم الى تمارة، أين يتم استجوابهم وتعرضيهم للتعذيب لعدة أيام قبل أن يطلق سراحهم بدون متابعة، أو يقدمون إلى المحكمة للخضوع لمحاكمات الإعدام.

ليس الإسلاميون وحدهم الذين عانوا من ويلات هذا المكان الذي شبه في الكثير من الأحيان بسجن أبو غريب العراقي والذي لا تزال الدولة تنكر وجوده على الرغم من عدد الشهادات التي لا تحصى وتقارير التحقيقات التي أجريت بشأنه من قبل المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية مثل منظمة العفو الدولية، وبهذه المناسبة، فان منظمة العفو الدولية جمعت أكثر من 45 شهادة، من بينها 20 مفصلة جدا، لسجناء وعائلاتهم ومحاميهم ومنظمات مغربية غير حكومية حققت في قضاياهم.

"يقوم موظفون باقتياد الشخص المقبوض عليه على متن سيارة بدون ترقيم (كما كان يجري في سبعينيات القرن الماضي). وفي بعض الأحيان، فان عملاء DST يعاملون المعتقل بوحشية قبل تعصيب عينه ونقله إلى وجهة مجهولة (...) بالإضافة إلى سوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون، فهناك التهديد بالاغتصاب أمام زوجاتهم والاعتداءات الجنسية الأخرى ضدهم على الفور في المكان، حسب ما ذكرت المنظمات غير الحكومية "التي حثت المغرب على الاعتراف بأعمال "DST" والتحقيق حول تصرفات ضباط التحقيق المعنيين".

قبل أحداث 16 مايو 2003 بحوالي سنة تقريبا، اكتشف الرأي العام المغربي أن أساليب التحقيق وظاهرة الاعتقال التعسفي التي كان يعتقد انها اختفت تماما ظهرت من جديد.

وفي هذا السياق تزايدت الأدلة على وجود مركز خاص، بقيادة "DST" وموجود بضواحي الرباط وفي "تمارة" بالتحديد.

على الرغم من انه تم تنظيم رحلات حج رمزية الى مواقع (تازممارت، قلعة مكونة، الخ...) التي استخدمت كسجون سرية في العقود الماضية، لكن هذا الاكتشاف كان بمثابة صدمة حقيقية خصوصا انه يظهر بأدلة دامغة بأن هذا المكان الذي كان يمارس فيه التعذيب، قد أستخدم على نطاق واسع بعد هجمات الدار البيضاء، كما ذكرت من جانبها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في تقرير إدانة لبعثة لها سنة 2004 .

التعذيب "بالوكالة" في المغرب
ان ضحايا تمارة ينقسمون عموما إلى أربع فئات: أعضاء الحركة الإسلامية الجهادية المتهمين بالتآمر او بالأعمال الإرهابية، المعتقلين الصحراويين المطالبين بالاستقلال والناشطين من اليسار الراديكالي بالإضافة إلى عدد قليل من السجناء سلمتهم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أو MI5 البريطانية في إطار البرنامج الأميركي الشهير للتعذيب على أراضي دول حليفة مثل المغرب، والتي لا تولي اهتماما لحقوق السجناء خلال الاستجواب.

بالنسبة لهؤلاء، فإن تمارة تمثل "نقطة سوداء" في "الحرب ضد الإرهاب" التي شنتها الولايات المتحدة في ظل حكم بوش الابن وبعض حلفائها مثل المملكة المتحدة. وهذا يعني، انه حدث في "تمارة" ما لا تسمح القوانين الغربية بممارسته في أوروبا أو على ارض الولايات المتحدة الأمريكية، لانتزاع الاعترافات من "مقاتلي القاعدة" الذين اعتقلوا في العراق أو باكستان وأفغانستان.

ومن جهة أخرى فقد اتضح حسب تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي للتحقيق في رحلات جوية سرية لوكالة المخابرات المركزية في أوروبا، انه تم إجراء 40 توقف لطائرات (CIA) في المغرب ما بين 2001 و 2005.

"فمحمد بنيام" وهو بريطاني من أصل إثيوبي، المشتبه بعلاقته بالإرهاب، والذي اعتقل في باكستان سنة 2002 قبل نقله إلى المغرب على متن واحدة من هذه الطائرات واحتجازه بشكل غير قانوني في "تمارة" مدة ثمانية عشر شهرا. لقد كان أول معتقل من سجن "غوانتانامو" الأمريكي، أفرج عنه من قبل الرئيس باراك أوباما في سنة 2009، بعد أربع سنوات من التعذيب، وبعد إسقاط جميع تهم الإرهاب الموجهة إليه ، ويقول عند الحديث عن إقامته في "تمارة:"

"لقد عشت تجربة لا يمكن أبدا أن أتصورها في أسوأ كوابيسي (...) فمن الصعب دائما بالنسبة لي أن أتخيل انه تم اختطافي، ونقلي من بلد إلى آخر، وتعرضت للتعذيب بطرق القرون الوسطى، وكل هذا كان مدبرا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، حسب ما أعلن بعد عودته إلى بريطانيا.

ويضيف قائلا، كانت أسوأ لحظة بالنسبة لي هي عندما أدركت اني في المغرب وأن الناس الذين كانوا يعذبونني يتلقون تعليمات ووثائق من الاستخبارات البريطانية. وأكد "بنيام" أن معذبيه جرحوا ذكره بواسطة سكين حادة".

مازالت الرباط تنفي باستمرار
ان سوء المعاملة بإشراف أجنبي واللجوء إلى سجانين مغاربة مختصين في التعذيب كما وصفهم "بنيام" الى جمعية "ريبريف" التي قدمت مساعدة قانونية الى العديد من معتقلي "غوانتانامو" تؤكد أن سجاني "تمارة" كانو يعملون في إطار نظام عقابي غير قانوني برعاية سرية من الدولة المغربية وبمباركة من أصدقائها الأمريكيين والبريطانيين.

وفي الأخير وعلى الرغم من حزمة الأدلة التي ذكرنا إلا أن الرباط وعلى لسان وزيرها للداخلية آنذاك الطيب الشرقاوي، مافتئت تجدد نفيها، في حين أن محمد السادس وتحت ضغط الشارع اصدر عفوا في حق العديد من السجناء السياسيين. سجناء تمتع معظمهم بسحر إقامة الملك الشاب للموتى "تمارة".
المقال نشر سنة 2011 على الموقع الالكتروني:
www.stateafrique.com