الأحد، 1 يناير 2012

! الطالب الصحراوي.. بين الغياب و التغييب


بعد وقف إطلاق النار بيننا و الدولة المغربية ، و بعد الؤلوج في مغبات مخطط التسوية الأممي الذي لم يؤتي أكله حتى الساعة ، و بعد نهاية الحرب الباردة بين القطبين و بداية ما اصطلح على تسميته بزمن العولمة و القطب الواحد ، و بعد تحول الحرب من حرب ميدانية و عسكرية إلى حرب فكرية و إعلامية ، بعد كل هذه التحديات برزت الحاجة في ساحتنا الوطنية إلى شباب واع ، مسؤول و مثقف من شأنه أن يتحمل عبأ و مسؤولية توعية المجتمع و تثقيفه و جعله يفهم الأمور و يطّلع عليها عن كثب و بأعين و رأى نابعة من رحم المجتمع ، كما من شأنه أن يحافظ على مقومات الهوية لدى الفرد الصحراوي من إسلام و عروبة ، و إنتماء إلى مجتمع بيظاني بدوي محافظ ، لا يميني و لا يساري ، لا شيوعي و لا ليبرالي ، و إنما "صحراوي بامتياز" ، و أعني بذلك لزام ان تكون الرؤى و الإستراتيجيات نابعة من عمقنا كصحراويين لا أن نستورد من الأنظمة و المجتمعات طريقة حكم أو إيديولوجية تسيير أو عقيدة إنتماء، كل هذا بالإضافة ربطه بقضيته الوطنية و جعله يلعب دورا محوريا في المضي بها قدما و السير نحو وضع حل نهائي لها بما يوافق تطلعاته في الحرية و الإستقلال و بناء كيان صحراوي مستقل على أرض هي لهم ورثوها أبا عن جد و لا مكان فيها لأي دخيل ، كل هذا أجّج و قوّى هذه الحاجة إلى ؤجود هذه النخبة من الطلبة و المثقفين ، و ليس كل طالب هو مثقف كما أنه ليس بالضرورة كل مثقف طالب ، إلا أنني سأخص في هذا المقام بالحديث عن الطالب ، مسيرته ، دوره على الساحة الوطنية الإقليمية و الدولية ، هل هو حاضر؟ غائب ؟ او مغيّب؟.
لا يمكن لأي مُبصر أن ينكر الجهود التي بذلتها الجبهة في هذا المجال ـ التعليم ـ ، و ذلك إنطلاقا من أدبياتها و أولوياتها الرامية إلى ترك هذه الفئة ـ الطلبة ـ لتعيش الأمور من أعماقها و بالتالي لعب دور المشارك في رسم السياسات العامة و برامج العمل لأن الثورة أصلا فُجرت من طرف شباب و طلبة مشحونون بالفكر الثوري و الغيرة على الوطن ، فكان التركيز منذ الإنطلاقة الأولى للكفاح بعد الجانب العسكري على جانب التعليم و إرسال ؤفود من الطلبة للدراسة بالخارج و إيلاء هذه الشريحة الواسعة أهمية خاصة لما ستشكله من دور في حمل مشعل النضال نحو التحرير و البناء ، و كان لذلك الأثر الإيجابي على تلك الدفعات من الطلبة حيث برزوا في ساحاتهم الطلابية و حملوا هموم الشعب إلى أقصى الارض و أدناها فكان الواحد منهم الطالب المتميز و المقاتل و المناضل و السفير و الدبلوماسي ، و عادوا من مراكز دراستهم لخدمة الشعب و القضية فمنهم من إنضم إلى ساحات الوغى و المعارك ، و منهم من تحمّل صعاب التخفيف من الام النازحين من اللاجئين في المخيمات فتولو مهام التدريس و التطبيب و التوعية و الإغاثة ، فتحققت النتيجة المرجوة و أعطو ثمرة المجهود الذي بُذل من أجلهم و إستحقو أن يلقبوا ب " أبناء الشعب البررة" عن جدارة و إستحقاق .
و لكن، و و بالموازاة مع كل هذه الجهود التي أتت اكلها ، لا يمكن لأحد أيضا أن ينكر التهميش و الإقصاء الذي طال هذه الفئة على مرّ مرحلة ما بعد الحرب ، فبالنظر إلى العدد المعتبر من الطلبة و الخريجين إلا أن معظم هؤلاء وجد نفسه مرغما على سلوك طرق لا تليق بمكانة الطالب و المثقف أيا كان مستواه ، فأمام الأبواب الموصودة أمامهم لجأ هؤلاء إلى الأعمال العضلية الشاقة و إلى الهجرة نحو المجهول بغرض البحث عن لقمة العيش بعيدا عن جحييم البطالة ، في زمن مادي لا يرحم لا مكان فيه إلا لمن إستطاع أن يوفر مستلزمات العيش الكريم ، أو على الأقل لقمة العيش فقط.. حتى وصل الحال بالبعض إلى الخيانة و بيع النفس و الضمير لأسباب كان من المفترض أن نجعل لها قسطا من حساباتنا التي توجهت لأشياء اقل فائدة و مردود ، ناهيك عن القدرات الهائلة و الأدمغة التي نراها تهاجر و تغادر دون أن نستطيع فعل شيء يحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تهز أركان و مقومات صمودنا ، حتى أن البعض فسّر هذا الإقصاء و التهميش بأنه أسلوب ممنهج أُعتمد من طرف البعض لتغييب هذه الشريحة ، و بالتالي إبعاد أي صوت من شأنه يصلح أو يدعو لإعادة النطر في بعض الأخطاء التي تنخر مؤسساتنا من قبيل القبلية و المحسوبية و التوظيف بالقرابة بدل الكفاءة ، و التي تعتبر تهديدا لمسيرتنا النضالية ، و خطر من شأنه أن يمس بوحدتنا و مصيرنا كحركة تحرير وطني.
و لكن و بالعودة إلى أحد أهم مبادئ الجبهة ، و ما يعرف ب " النقد و النقد الذاتي" ، كان لزاما أن نستحضر الشطر الأول من العنوان " غياب الطالب" ، و الذي من خلاله يمكننا القول بأن نصف العيب أو جله سيعود على الطالب نفسه و ذلك من خلال نقاط واضحة و جليّة سأذكر بعضها تباعا :
ـ تنكر جل الطلبة لوظيفته الأساسية في المجتمع من خلال ربطه بثوابته و بقضيته الوطنية.
ـ الغياب التام لبرامج محو الأمية و البرامج التعليمية التطوعية المبرمجة من قبل الطلبة.
ـ الغياب الشبه كلي للطلبة عن البرامج الصيفية و الندوات و الملتقيات الخاصة بهم .
ـ تراجع الدور الطلابي في نشر القضية ، و إيصالها للمحافل الدولية و المنابر الإعلامية .
ـ تراجع العمل التطوعي للطلبة داخل المخيمات [ حملات تحسيسية ، حملات نظافة ، زيارات ميدانية...إلخ]
ـ الهجرة ، و تنكر البعض لمسؤولياته تجاه شعبه و قضيته.
و كل هذا إنما هو غيض من فيض ، و لكي لا يكون النقد فقط من أجل النقد و حتى لا يفتقر إلى البديل ، كان لزاما أن يكون التوجيه ازدواجي، الأول موجه للسلطة و المسؤولين ، و هو ضرورة تأطير الطلبة و دمج الخريجين منهم في المؤسسات الوطنية حسب تخصصاتهم بعيدا عن الحسابات الضيقة ، كما ينبغي إحساس الطالب بمسؤولياته و أنه حامل مشعل التواصل لا محالة ، إن لم يسلم بها البعض فإن طبيعة الحياة و ما يعرف "بالفناء البيولوجي " للأشخاص يسلم بحتمية تسليم المشعل للأجيال على أمل أن تواصل الأخيرة ما كلفت به و تقود الشعب إلى أهدافه التي ناضل و لا يزال يناضل من أجلها ، و من هنا يأتي التوجيه الثاني و الموجه لنا كطلبة ، و ذلك بضرورة الوعي بصعوبة و خطورة المرحلة التي يمر بها كفاح شعبنا ، و بالتالي ضرورة التمسك بالوحدة و الالتحام ، و حمل قضيتنا و معاناة شعبنا إلى ربوع الأرض ، و جلب التعاطف معها ، و التفاني في خدمة الشعب و الوطن ، و ضرورة التواجد الفعّال في المنابر و الندوات الوطنية و الدولية و إثراء نقاشها ، و إثراء المجال الإعلامي و إيصال صوت الشعب الصحراوي و كفاحه الى شتى بقاع العالم و مواصلة النضال في كل المجالات حتى تحقيق الأهداف المنشودة .
و في الأخير بمقدوري أن أُجزم انها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها هكذا قضايا و إشكاليات إلا أن التنكر لتلك المسؤولية كان السائد حيث كنّا كما يقول المثل الحسّاني " نحن انكولولها وتْ و هي شاردة" ، اي لم يحصل اي تغير أو تحسن يذكر ، و لكن أملنا لن يزول و لن يضمحل ، ذلك الأمل بأن تعود هذه الفئة إلى دورها المثالي و الريادي ،ما سيقودنا إلى الأمام و يقربنا من بناء مجتمع مثقف و متماسك ، واع بمسؤولياته ويُحسب له ألف حساب.

بقلم المحفوظ محمد لمين بشري .mahfoudsh30@hotmail.com

تلمسان 7 صفر 1433 ، 01 / 01 /2012