ما إن انتصف نهار اليوم الأول لى فى هذا القيظ الحارق بعمق الصحراء الكبرى… وفى درجة حرارة اقتربت من الخمسين، وما إن عرفت القليل عن قضية شعب
الصحراء ألحت على ذاكرتى مشاهد غسان كنفانى فى روايته الصادمة «رجال فى الشمس».. ثلاثة رجال فلسطنيين شردتهم النكسة الكبرى فى 1948 يحاولون حل مشاكلهم بالهروب إلى الكويت.. فى الطريق يموت الفلسطينيون الثلاثة اختناقاً من شدة الحر داخل خزان شاحنة يقودها مهرب فلسطينى، بعد أن تأخر عليهم فى نقطة التفتيش.. ماتوا لأنهم لم يطرقوا جدران الخزان أو يرفعوا أصواتهم طلباً للنجدة.. وتنتهى الرواية بصراخ السائق: لماذا لم تطرقوا جدران الخزان؟.
شعب عربى بأكمله يطرق آلاف الجدران، الأخطر فيها جدار عازل مغربى.. صحراء الكويت أشد منها قسوة الصحراء الكبرى.. المنطقة التى يسكنها شعب الصحراء تسمى «تندوف» فى أقصى الجنوب الغربى للجزائر.. ولمن يقرأ الخرائط فهى ذلك الجيب الحدودى للجزائر أسفل المغرب والملاصق لحدود «الصحراء وموريتانيا»، لا أثر لأى زرع أو ماء يعيشون على بعد كيلومترات معدودة من وطنهم «الصحراء» الذى تسيطر على ثلثيه المغرب وأقامت بطوله جداراً عازلاً يحجب المحيط ومدنهم القديمة عن أهلها الذين دخلوا فى مواجهات مع المغرب منذ عام 1976 وحتى الآن، واستضافتهم الجزائر على أراضيها طوال هذه الفترة.
عندما تلقيت الدعوة لزيارة مخيمات اللاجئين، برفقة عدد من الصحفيين المصريين، أو ما يطلق عليه هناك «جمهورية الصحراء الغربية». لم أكن أعلم الكثير عن هذه القضية، معلومات متناثرة وقديمة عن جبهة البوليسايو وتاريخها فى المواجهات مع المغرب وصولاً لاتفاق بين الطرفين برعاية الأمم المتحدة على إجراء استفتاء حق تقرير المصير، لكن لم ينفذ رغم صدوره فى مطلع التسعينيات من القرن الماضى. لم أكن أعلم، ومثلى فى ذلك غالبية الصحفيين الذين سافروا، وكذلك الذين سألتهم بعد عودتى، أن الجمهورية الصحراوية برئيسها وبرلمانها ووزرائها متواجدون فوق الأراضى الجزائرية، وأن ما يزيد على 80 دولة تعترف بها.. والأهم أنهم يعيشون مأساة إنسانية حقيقية، وأن منظمات الإغاثة الدولية والمجتمعات الدولية الكبرى تتكفل بإعاشة كل اللاجئين وأن المنظمات الإسلامية والعربية غائبة تماماً عن هذا الشعب الذى يتحدث جميعه العربية بلهجة واضحة، هى «الحسانية» المنتشرة فى موريتانيا واليمن، ويدين بالإسلام.
وقبل أن أخوض فى رحلتنا الشاقة إلى «تندوف» التى تبعد بالطائرة عن الجزائر العاصمة نحو ساعتين وثلث الساعة، وهى تقريباً ضعف المسافة من القاهرة لأسوان.. وقبل أن أسرد مشاهدتى ونتائج اللقاءات والزيارات التى شاركت فيها، أؤكد على أمر مهم قلته لمضيفينا الصحراويين والجزائريين وفى أكثر من وسيلة إعلامة محلية هناك، أننى أقدم رؤيتى كصحفى مستقل حول وضع إنسانى لى رأيى فيه، خاصة ما يتعلق بأوضاع شعب عربى يعيش مأساة جماعية تذكره العالم وتم تغييب أوضاعه بل وجوده عن الرأى العام فى مصر ومعظم الدول العربية. أما ما يتعلق بالسياسة، فأنا أنتمى إلى دولة لها مبرراتها القوية لعدم الاعتراف بجمهورية الصحراء، وبالتالى فإننى فى هذا الجزء سأنقل ما قاله المسؤولون فى «الصحراء» عن مناشدتهم القاهرة والمنظمات العربية الالتفات إلى مطالبهم «العادلة» وأهمها الاعتراف بحقهم فى تقرير المصير، والذى أقرته الأمم المتحدة وكذلك نحو 80 دولة تراجع بعضها عن هذا القرار.
بداية سأقدم موجزاً عن قضية «الصحراء الغربية» منذ بدايتها وحتى الآن، اعتمدت فيه على معلومات عديدة متواترة من سياسيين بارزين فى «الصحراء» و«الجزائر» وكذلك مصادر مغربية اطلعت عليها بعد عودتى للقاهرة.
«المصري اليوم» داخل «دولة اللاجئين فى عمق الجزائر»
الصحراء الغربية الواقعة جنوب المملكة المغربية، وتبلغ مساحتها 266 ألف كيلو متر مربع ولها حدود مع المغرب فى الشمال ومع موريتانيا فى الجنوب والشرق، ومع الجزائر فى الشرق ولها سواحل على المحيط الأطلنطى فى الغرب بطول 1062 كليو متراً، كانت واقعة تحت الاحتلال الإسبانى حتى عام 1975، ولم تكن «البوليساريو» هى وحدها التى تطالب بتحريرها وإقامة دولة مستقلة على أراضيها، وإنما كانت المغرب تطالب بتحريرها أيضاً، ولكن ليس لإنشاء دولة مستقلة وإنما لتضمها إلى أراضيها، تطورت المشكلة بدخول الطرفين «البوليساريو» ومن ورائها الجزائر، والمغرب ومعها موريتانيا من ناحية أخرى فى صراع للاستحواذ والسيطرة على «الصحراء الغربية» بعد انتهاء الاحتلال الإسبانى لها، والذى خاضت «البوليساريو» ضده رحلة مقاومة ونجحت فى تحقيق عدة انتصارات عليه مما أجبره على قبول التفاوض معه. وفى الوقت الذى نجحت فيه الجبهة فى قبول اعتراف المجتمع الدولى كممثل شرعى ووحيد للشعب الصحراوى وحصلت على مقعد كعضو مراقب فى الأمم المتحدة، كانت المغرب وإسبانيا وموريتانيا تجهز لاتفاقية ثلاثية فى نوفمبر 1975، بمنح ثلثى الصحراء للمغرب والثلث الجنوبى لموريتانيا مع تمكين الدولتين لإسبانيا من استغلال بعض ثروات «الصحراء» الطبيعية وإعطائها الحقوق القانونية فى ذلك المجال. وتطبيقاً لهذا الاتفاق بدأت القوات العسكرية للبلدين فى الانتشار فى «الصحراء» شمالاً وجنوباً، وقابل ذلك هجرات جماعية من الصحراويين من المدن والقرى التى تم احتلالها إلى المناطق الخاضعة إلى الجبهة وفيما بعد سمحت الجزائر باستقبال هؤلاء النازحين.
وانطلقت فى هذا التاريخ حرب عنيفة بين «البوليساريو» مع المغرب فى الشمال ومع موريتانيا فى الجنوب.. ومع خسائر الموريتانيين أعلنوا الانسحاب فى 1979، ويذكر أن هذه الخسائر كانت سبباً رئيسياً فى الإطاحة بالرئيس الموريتانى المختار ولد داده فى انقلاب عسكرى.
وبالتوازى مع اتفاقية مدريد، حركت المغرب مئات الآلاف من مواطنيها داخل الصحراء فيما أطلقت عليه «المسيرة الخضراء» فى تصرف أغضب الإسبان أنفسهم وهو ما خلق وضعاً جديداً على الأرض.. فأغلبية السكان الآن من المغاربة على حد تأكيد الصحراويين الذين أصبح الغالبية العظمى منهم لاجئين فى الجزائر، وهو وضع يعطل الاستفتاء على حق تقرير المصير الذى وافق عليه «المغرب» و«الصحراء» عام 1990. ومع بدء السيطرة المغربية على أرض الصحراء، انطلقت هجمات عسكرية مسلحة للبوليساريو من صحراء «تندوف» قتل فيها الكثير من المغاربة دفعت الجيش المغربى إلى إقامة الأحزمة الدفاعية الحصينة حول المدن المهمة والمواقع العسكرية المتقدمة فى «الصحراء»، ورغم ذلك استمر اختراق البوليساريو لهذه الصفوف مما دفع المغرب فى النهاية إلى إقامة جدار عازل يمتد من داخل الحدود المغربية وبطول «الصحراء» وحتى الحدود الموريتانية حاجزاً ثلثى المساحة الممتدة بطول المحيط الأطلنطى، تاركاً ثلث «الصحراء» فى قبضة جيش «البوليساريو» الذى يزيد قوامه على 20 ألف جندى، علماً بأن الجانبين ملتزمان حالياً باتفاق هدنة ترعاه الأمم المتحدة وتراقبه بقوات منتشرة فى «الصحراء».
«المصري اليوم» داخل «دولة اللاجئين فى عمق الجزائر»
أعود إلى المخيمات: هناك خمس مدن رئيسية فى «الصحراء الغربية» كلها تحت السيطرة المغربية الآن.. لكن قيادات «البوليساريو»، برضا جزائرى تام، أعادت تسمية هذه المدن على مخيمات اللاجئين الصحراويين فى «تندوف» وأطلقت عليها اسم ولايات وهى: «العيون، الداخلة، السمارة، آوسرد، باجدور، وكل ولاية يحكمها والٍ منتخب من المؤتمر العام لجبهة «البوليساريو».. ولـ«الدولة» عاصمة تتوسط هذه الولايات رئيسها محمد عبدالعزيز وهو فى الوقت نفسه الأمين العام لجبهة البوليساريو.. وحتى لا يذهب الطموح إلى مضمون آخر فى وصفى لهذه «الدولة» فإنى سأقدم وصفاً تفصيلياً لها.
توجد تندوف فى عمق الصحراء الكبرى ولها مناخ قاس، وهى منطقة رعوية يسكنها نحو 60 ألف جزائرى، أما مخيمات الصحراويين فى الولايات الخمس والتى يسكنها نحو 200 ألف لاجئ فتقع فى منطقة قاسية للغاية وتبعد عن المدينة الجزائرية حوالى 35 كيلو متراً ومن الصعب بل من المستحيل أن ترى شجرة أو نبتة بطول الأرض الخشنة قاسية التضاريس.. صحيح أن الجزائريين شيدوا طرقاً أسفلتية لربط «الولايات» والتى تبعد أقصاها نحو 150 كيلو عن «العاصمة» إلا أن البنية الأساسية شبه منعدمة.. فالكهرباء غير موجودة فى أكثر من مخيم ويعتمد سكانها على وحدات الطاقة الشمسية كما فى ولاية العيون أكبر المخيمات فى تندوف، لكن مع قسوة الطقس ودرجة الحرارة الملتهبة تصبح الحياة فى وسط النهار نوعا من العذاب اللانهائى لسكان يعيشون على حد الكفاف لـ39 عاماً.. البيوت البسيطة مبنية إما برمال الصحراء فيما يشبه النظام الموجود فى واحة سيوة أو ما كان يسمى فى الدلتا والصعيد من سنوات طويلة بـ«المدمال» أو فى الغالب تنصب خيام من القماش.. ومن حق كل عائلة الحصول كل خمس سنوات على قماش يكفى بناء خيمة واحدة.. وقد تلقت معظم السيدات هنا دروساً حول طريقة حياكة الخيام ونصبها.
بوجينى يحيى، رئيس الهلال الأحمر الصحراوى، مكتبه فى قلب مدينة غريبة المنظر وغير مألوف بالمرة، تجمع ضخم من الكونترات التى تحمل كل منها اسم شركة الشحن أو الدولة مصدر المساعدة.. وهذه الكونترات عندما تأتى إلى هذا المكان القاسى لا تعود.. وهنا أنشأوا بها تجمعاً خدمياً للمساعدات القادمة إليهم ومكاتب لهيئات الإغاثة. يقول يحيى: «الوضع الإنسانى هنا هش للغاية.. نحن منسيون فى النار لمدة 39 عاماً متصلة.. اللاجئون الفلسطينيون يتذكرهم الغرب، أما نحن فلا تتذكرنا هيئة عربية ولا إسلامية واحدة.. يتذكرون المسلمين فى أنحاء العالم إلا هنا.. كلنا مسلمون.. لكنهم يسيسون المساعدات، حتى المنظمات الخليجية لجأنا إليها ولم تقدم شيئاً. كل الدول الغربية تفرق بين مواقفها من قضيتنا السياسية وتقديم العون إلينا». وضرب يحيى مثالاً بإسبانيا قائلاً: «إسبانيا فى مقدمة المانحين.. صحيح أن مساعداتهم تقلصت بفعل الأزمة المالية لديهم بنسبة 60٪ لكن المقاطعات الإسبانية تربطها علاقات وثيقة باللاجئين، وكأنه تكفير عن سياسات اتخذتها حكومة مدريد طوال احتلالها لـ«الصحراء»، حيث تعمدت عدم تعليم رجال ونساء الصحراء وكذلك توقيعهم على الاتفاقية الثلاثية التى تم بموجبها تقسيم بلدنا». وأكد يحيى تراجع الاهتمام الإسبانى باللاجئين، وقال: «المنظمات الدولية وكذلك وسائل الإعلام لا تحركها إلا صور الموتى، والدول المانحة تهتم بالنزاعات الجديدة وتتناسى القضايا القديمة»، وأضاف: «30٪ من أطفالنا أقل من 5 سنوات لديهم سوء تغذية، و56٪ من هذه الفئة لديها فقر دم.. ونصف الحوامل لديهن فقر دم أيضاً».
وفى هذا المكان شاهدنا شاحنات مساعدات غذائية قادمة من المنظمات المانحة إلى اللاجئين، حيث يتم تفريغها وتقسيمها بواسطة عمال معظمهم من السيدات، وحصة الفرد كل أسبوعين كالتالى: كيلو أرز وكيلو من البقوليات ونصف كيلو طماطم ونصف كيلو شمندر ونصف كيلو كوسة، والمياه فى المخيمات هى أكثر السلع ويشرف «الوالى» فى كل مخيم على توزيعها بنفسه من خلال جهاز معاون وفناطيس محمولة على سيارات ضخمة.. بحيث تحصل كل عائلة على نصيب متساو فى فنطاس متروك فى حرارة الشمس أمام كل منزل أو خيمة.
زرنا المستشفى المركزى فى العاصمة هنا.. المكان موحش للغاية، المبنى كالح يشبه المستشفيات المهجورة فى الواحات المصرية.. والطريق إليه صعب للغاية وآلم ظهورنا نحن الأصحاء فما البال بالمرضى.. قليل للغاية، من الغرف بها أجهزة تكييف.. كثير من الحالات لا علاج لها هنا.. ويلجأ إلى المستشفيات الجزائرية.. اللافت وجود أطباء متطوعين من إسبانيا وكوبا.. تحدثنا إليهم فى هذا المستشفى وفى مستشفى ولاية «العيون»، وكذلك فى مطار «تندوف». «الأطباء الجزائريون يتوافدون على مستشفيات اللاجئين هنا ولا أطباء عرب غيرهم يأتون إلى هنا». هكذا قال د. محمد الأمين وزير الصحة لنا فى مكتبه المتواضع الأشبه بمكتب قائد كتيبة جيش مصرية فى عمق الصحراء، أضاف: «التقيت وزير الصحة المصرى الأسبق حاتم الجبلى فى أديس أبابا عام 2012 على هامش اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة، حدثته عن معاناة الصحراويين فى المجال الطبى، ونوه إلى أن معظم الموظفين فى «الصحراء» يعملون بأجور رمزية، والطبيب يحصل على ما قيمته 200 دولار شهرياً.. أما الممرض فلا يزيد رابته على 70 دولارا».
وواجهت القيادة الصحراوية «البوليساريو» وكذلك بعثة «المينورسو» التابعة للأمم المتحدة عدة أزمات فى بداية مرحلة التوطين بالجزائر، فالمجتمع الصحراوى بنيته الاجتماعية، إقطاعى، وينقسم إلى عائلات نبيلة تمتلك العبيد، لكن مع هذه الحياة الفقيرة فى مخيمات اللجوء تساوت الأقدار خاصة مع اندماج العبيد فى لغة وثقافة الصحراويين ومشاركتهم فى جبهات القتال. رصدنا هنا أن الرجال فى المجتمع بلا وظائف حقيقية إلا فيما يتعلق بمشاركة نسبة غير قليلة فى توزيع المساعدات الطبية والغذائية بأجر رمزى، إضافة إلى وجود حركة تجارة متوسطة فى المخيمات، وبالقرب من العاصمة محال بواجهات بسيطة للغاية تشبه المتناثرة على الطرق الصحراوية على الساحل الشمالى أو فى طرق البحر الأحمر، تبيع السلع الغذائية والملابس القادم معظمها من موريتانيا.. المنتشر هنا وبكثرة ورش صيانة السيارات.. زرنا أكثر من سوق للسيارات المستعملة والتى فى الأغلب تعرض سيارات ذات دفع رباعى بموديلات قديمة لكن مع إدخال تعديلات مهمة عليها لتتناسب مع هذا الطقس الحار، وكذلك تنتشر السيارات المرسيدس موديلات الثمانينيات والتسعينيات حيث يتم إدخالها عبر الموانئ الجزائرية برسوم رمزية ولا يزيد سعر السيارة هنا من هذه الموديلات على ما يوازى 30 ألف جنيه.
والملابس هنا تقليدية تشبه ملابس الصحراويين فى كل مكان.. وبسبب الحرارة وهبوب الرمال على مدار اليوم، فإن نادراً ما ترى رجلاً أو امرأة، وحتى الذين شاهدناهم وهم يرتدون ملابس عصرية ونظارات شمسية ويقودون سيارات – إلا وقد غطوا وجوههم بـ«اللثام» على طريقة «الطوارق»، وهو يشبه الكوفية فى مصر ولكن أطول وأعرض، وقماشه ناعم يعكس الحرارة ويظل بارداً.
ويلبسون هنا على أجسادهم «الدرعا»، وهو ثوب فضفاض له فتحتان واسعتان على الجانبين، وخيط من أسفل على طرفيه وله جيب على الصدر، وعادة ما يكون «الدرعا» بأحد اللونين الأبيض أو الأزرق.
وعندما دخلت أحد المتاجر للسؤال عن ثمن «ثوب» موريتانى منتشر هنا بألوانه الزاهية ونقوشه البارزة، قال لنا التاجر إن ثمنه يتجاوز المائة يورو، أما النساء فيرتدين «الملحفة» على الطريقة المنتشرة فى السودان: قطعتا قماش تمت خياطتهما بشكل طولى، وألون الملحفة كثيرة متعددة.
للشاى الأخضر طقوس خاصة هنا، ورغم أننى حريص على شربه فى مصر لكنى لم أتحمس له هنا لمدة يومين، ثم تعودت عليه حيث له طقوس وخطوات متعددة ولا يمكن تقديمه بشكل عاجل بل يستغرق إعداده ما يزيد على الساعة ويكون طمعه قوياً للغاية حيث يخلط بالنعناع الصحراوى ولابد أن تعلوه رغوة كثيفة.
وأعود للسياسة فخلال الرحلة التى امتدت إلى أسبوع، التقينا كل الوزراء الصحراويين تقريباً، وهنا أنقل سطوراً موجزة عما قالوه حول قضيتهم.
محمد الولى ولد علبك، وزير شؤون الأرض المحتلة والجاليات: «المناطق الصحراوية الخاضعة للمغرب غير مسموح لنا بدخولها، على الرغم من أن 55٪ من شعبنا يعيش فيها.. ونسبة المفقودين كثيرة.. والمغاربة استطاعوا توظيف بعض الصحراويين وانقلبوا على (البوليساريو).. ونحن نتوقع عودة الحرب فى أى وقت مع إصرار الرباط على تعطيل إجراء الاستفتاء.. الدول الحرة وعلى رأسها مصر عليها دعم حقوق الشعوب المحتلة».
الوزير محمد أسلم: «الدول العربية منحازة لصالح الأقوى (المغرب) ضد الضعيف وهو الصحراء.. هم فهموا الحديث الشريف عن إعانة أخيك المظلوم بشكل خاطئ، أخبارنا نقرؤها فى صحف الغرب والشرق ولا نسمع كلمة واحدة فى الإعلام المصرى، والمغرب تستغل مواردنا خاصة الفوسفات والسمك ويبرم حالياً اتفاقيات للتنقيب عن البترول».
حماد السلمى وزير العدل: «نحن ضحية لمحاباة الأنظمة العربية وكذلك الإعلام العربى.. لدينا توثيق لـ638 حالة اختفاء قسرى لصحراويين فى المغرب.. ثم اعترفوا بوفاة 351 منهم لكنهم لم يحددوا أمكان الدفن.. لدينا 38 سجيناً فقط.. وطوال 39 عاماً لم تقع فى المخيمات سوى جريمتى قتل فقط، واحدة سبق وإصرار وترصد وواحدة قتل خطأ. ونطبق الشريعة الإسلامية.. وفى حالة القتل العمد يتم قبول الدية.. نأخذ بالمذهب المالكى فى الطلاق.. وحالات الاختفاء القسرى خاصة للمحاربين عديدة، وبعد إبلاغنا رسمياً بأن معظم هؤلاء قد ماتوا أو قتلوا فى المغرب اعتبرت زوجاتهم جميعاً أرامل دون رفع قضايا».
عبدالقادر طالب عمر «الوزير الأول»: «متمسكون بعروبتنا وإسلامنا رغم أن الأشقاء أعطونا ظهورهم.. واحتضنتنا أفريقيا.. متمسكون بالعودة وصمودنا أكبر من دول زالت أو ذابت».
«المغرب»: الصحراء أرض مغربية.. وتحركات مكثفة لدعم مبادرة «الحكم الذاتى»
عاد موقف المملكة المغربية من قضية «الصحراء الغربية» إلى الواجهة عقب قرار الاتحاد الأفريقى بتعيين الرئيس الأسبق للموزمبيق «جواكيم شيسانو»، مبعوثا خاصا له لملف الصحراء، حيث تنظر الرباط إلى الصحراء الغربية على أنها جزء من الأراضى المغربية، كان الاستعمار الإسبانى قد اقتطعه من أراضيه، وبالتالى فالصحراء هى للمغرب.
وأعلنت المغرب رفضها بشكل مطلق لقرار الاتحاد الإفريقى بتعيين «ممثل خاص» لملف الصحراء المغربية، مؤكده أن «الرباط دعت الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن إلى تجاهل هذا القرار، ودعم المساعى الجارية تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، من أجل إيجاد حل لنزاع الصحراء».
واتهمت وسائل إعلام مغربية المبعوث الإفريقى للصحراء الغربية جواكيم شيسانو بـ«الانفصالى المعروف بميولاته للأطروحة الانفصالية التى تتبناها جبهة البوليساريو بدعم واضح من الجزائر».
وقالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربى فى بيان لها «إن المملكة المغربية باعتبارها طرفا أساسيا لا يمكن تجاوزه فى هذا النزاع الإقليمى، لا تعتبر نفسها معنية أبدا بهذا القرار الأحادى، والذى ترفضه بشكل مطلق».
وخلال الفتره الماضية حقق المغرب اختراقا دبلوماسيا لافتا ضمن جهوده لإقناع عدد من دول العالم، خاصة فى محيطه الأفريقى، بأهمية مبادرته لحلّ قضية الصحراء فى إطار خطته للحكم الذاتى وذلك مع زيادة عدد الدول الأفريقية التى تعترف بالاقتراح المغربى.
وكانت المملكة المغربية قدمت فى عام 2007 للأمين العام للأمم المتحدة المبـادرة المغـربيـة للتفـاوض بشـأن نظـام للحكـم الذاتـى لجهـة الصحـراء.
وتقول وزارة الخارجية المغربية «إن هذه المبادرة تعتبر ثمرة مسلسل تشاورى موسع على المستوى الوطنى والمحلى انخرطت فيه جميع الأحزاب السياسية والمواطنين والمنتخبين بالمنطقة، من خلال المجلس الاستشارى للشؤون الصحراوية، بهدف الوقوف على مختلف وجهات النظر المتعلقة بصياغة مشروع للحكم الذاتى فى الصحراء. واستكمل هذا المسلسل بإجراء مشاورات على المستويين الإقليمى والدولى حول المبادرة المغربية من أجل الاطلاع على وجهات نظر البلدان المعنية والمهتمة بهذا النزاع الإقليمى، تضمن المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكل الصحراويين مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل فى مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أى تمييز أو إقصاء. ومن هذا المنطلق، سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطى، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة فى جميع المجالات، والإسهام الفعال فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.
وأكدت الخارجية المغربية على صفحتها على شبكة الإنترنت: تحت عنوان «المبادرة المغربية وبداية مسلسل جديد»: أن هذه المبادرة تشكل حلا وسطا، وتنسجم مع الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ومبدأ حق تقرير المصير. ويخضع نظام الحكم الذاتى لجهة الصحراء المنبثق عن المفاوضات لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، مشددة على أن المغرب سيظل ملتزما بجدية وبحسن نية، بمبادرات وجهود الأمم المتحدة من أجل تخطى المأزق وإنهاء الوضع الحالى والتوصل إلى حل سياسى وواقعى ودائم ومقبول من الطرفين مرتكز على المبادرة المغربية للحكم الذاتى وعلى الاحترام الكامل لسيادة ووحدة تراب المملكة.
وأكد عدد من الدول الأفريقية على رأسها أفريقيا الوسطى والجابون والكونغو الديمقراطية وساوتومى وبرنسيب وبوركينافاسو، على مواقفها الثابتة تجاه دعم الخطة المغربية للحكم الذاتى فى الصحراء كحل نموذجى لقضية يسبب استمرار النزاع بشأنها تهديدا مباشرا لاستقرار جزء مهم من القارة الأفريقية، ويشكل عقبة كأداء أمام التنمية والتطور فيها.
والتحقت الدول الأفريقية الخمس فى هذا الموقف، بدولة السنغال التى أعلنت منذ عهد الرئيس ليوبولد سيدار سنجور وبوضوح عن دعمها غير المتحفظ للمغرب لحقه فى الصحراء وللحلّ الذى يراه مناسبا للقضية.
المصري اليوم