الثلاثاء، 6 مارس 2012

البرلماني الصحراوي : بين تعزيز مؤسسات الرقابة، وتأثيث مشهد السلطة التنفيذية


رغم ما أقره المؤتمر الأخير للجبهة، بخصوص تعزيز مؤسسات وآليات الرقابة، والمساءلة والمحاسبة الفاعلة. فان هناك شعورا، لا يزال يراود المواطنين الصحراويين ـ أو على الأقل بعضهم ـ بأن السلطة التشريعية، ستبقى لسنوات ـ كما هي الآن ـ الأكثر ضعفا، بين السلطات الأخرى التابعة لرأس الهرم التنظيمي. في مقابل التوسع المضطرد لسلطات الأجهزة التنفيذية. وستظل الحكومة الصحراوية ـ كما هو الحال أيضا ـ تميل الى تعطيل الدور الرقابي للمجلس، وربما عرقلة عمله، في مجال انجاز القوانين )تجاهل دعوات تفعيل القانون الاداري( وحصر وظيفته في المصادقة ب"الاجماع" على برنامجها ليس الا .

بمعنى أن تنحصر وظيفة المجلس في "حْفْولْ" وتأثيث مشهد السلطة التنفيذية، بلوحات ولافتات وشعارات تقول: إنّ الحياة البرلمانية في بلادنا، محكومة بمرجعية دستورية، لا بمزاج وأهواء مَن يتحكمون في المؤسسة التنفيذية.. والنتيجة إخراج فسيفساء سياسية، تعمد الى تضييع الوقت فى تفاصيل نصوص اللوائح والقوانيين.. أو تمرير بعض الخطابات، لبسط النفوذ السياسي.

أعضاء المجلس الوطني الصحراوي، سيكونون اكثر ميلا، عادة، الى الاضطلاع بالقيام بمهامهم في مراقبة الشأن العام، وأداء السلطات الادارية، عندما يشعرون بأن هناك نوع من المراقبة أوالمتابعة الشعبية على ادائهم، هم أنفسهم. الشئ الذي يتعسر تحقيقه في ظل واقعنا الحالى، بفعل عوامل موضوعية أولا، اضافة الى سياسة الإضعاف المتعمد من بعض "المتنفذين" لدور السلطات الرقابية، ابتداءا من الرقابة القضائية، ومرورا بالرقابة البرلمانية، وانتهاء بالرقابة الإعلامية، ودور الرأي العام ثانيا.

ومن جهة ثانية، بحكم الضرورات المادية، لسلطات امداد الدولة.. حيث تتوقف معيشة وحل مشاكل البرلماني وأسرته، على "المطالب" التي "يجود" بها القائمون على المؤسسات الحكومية ـ الاقتصادية خاصة ـ اؤلئك الذين يقضون "حوائج" الناس.. سيسعون دوما، اما الى تحويلهم الى ذراع لهم.. أو تقييد دورهم بدرجات متفاوتة، أو حصرهم بين خيارات محدودة لا يقبلون أيا منها، أو جعلهم على الأقل، لا يملكون حرية الاعتراض على التقصير، وضعف الأداء والمردودية..؟ اضافة الى جملة من الاكراهات الأخرى، التي تحد من اندفاعة، وفاعلية عضو المجلس الوطني، ومكانته، ونقاء ضميره، كمواطن، وكممثل للشعب. مع التأكيد بالطبع على ان أعضاء المجلس، ليسوا جميعهم من نفس التركيبة والخلطة، التي يراد لها ان تكون شبه جيش مناهض للاصلاح.

لابد من اعادة النظر في مسألة استفادة عضو المجلس الوطني الصحراوي، ومعالجتها بما يحفظ لنواب الشعب كرامتهم، وتكريسها عبر اطار قانوني ملائم نسبيا، وهي جديرة بأن تجعلهم اكثر قدرة على تعزيز استقلاليتهم. وتحسين ادائهم الرقابي، ليمارسوا واجباتهم، ويتحملوا مسؤولياتهم الكاملة، في التشريع والرقابة والمساءلة، التي تحقق النزاهة والشفافية، وترسخ ثقافة مكافحة الفساد.

ان الاضطلاع بالدور المنوط بالبرلمان الصحراوي، يتطلب ترصدا لمواطن الضعف، والخلل في واقع التسيير، وتسليط الأضواء على ما هو مسكوت عنه.. من ثغرات ونواقص وعلل.. وتلويحا بالعقوبة لمن يستحقها.. وتقديمه حين يتلاعب بمصالح الناس، للقضاء.. وعزله عند الاقتضاء.

وحتى لا يظن أحد أننا، في الحياة البرلمانية لبلادنا، ننظم نثرا، أو نفسر حلما، فإننا نذكره بما تتناقله بين الحين والآخر، بعض من وسائل الاعلام الوطنية، من تجاوزات ابتدأت بالمنظومة التربوية الصحراوية (لها ما يدعمها من الأسانيد) وانتهت بتقارير اخبارية عن اتهامات بالتزوير في مؤسسات أخرى، تستوجب المحاسبة، وادراجها ضمن الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة، وبالثقة العامة، والتنصيص عليها، في قوانين العقوبات السارية، أو على الأقل فتح تحقيق بشأنها، وذلك أضعف الايمان. والقوم يدركون، ان الخطورة، تنبع من كون تلك المحاسبة قد تنتهي إلى تقرير مسؤولية، ليس فقط من ائتمنهم الشعب على مصير أجياله، بل أيضا، من فوضوا لتقرير مستقبله.

ممثلو الارادة الشعبية الجدد الذين فاقت نسبة التجديد بينهم نسبة ال %69حسبما أعلنت عنه اللجنة المشرفة على الانتخابات، بينهم طاقات جديدة لا شك، بكفاءات ومؤهلات معتبرة، نتمنى أن يعلموا على أن هناك الكثير المطلوب عمله، وأن يعملوا على إيجاد فكر جديد، واتخاذ مجموعة إجراءات جادة على الأرض، بواقعية وعقل منفتح، يستجيب لتطلعات جموع مواطنينا، الرافضين للتعايش مع الواقع الحالي.. ويتجاوز المحاولات المعتادة للاستفادة التكتيكية من مثل هذه الاستحقاقات الوطنية.. ولا حاجة لتذكير ممثلي الشعب، بتجربة السنوات الأولى لتأسيس المجلس الوطني الصحراوي، حينما أراد برلمانيون سابقون وصادقون أيضا، ممارسة حقهم القانوني في محاسبة أعضاء الحكومة، وحجب الثقة عن بعضهم، وكيف تعرض بعض النواب للإبعاد، دون سند أو مبرر، سوى انه لم يكن ليسمح لهم ب"التبرزيط" الزائد عن الحدود المرسومة..

وللأسف الشديد، سلطاتنا الوطنية ما زالت لم تدرك بعد، أنّ الرقابة البرلمانية، والقضاء العادل، هما أساس كل الحريات في المجتمع، وهما حجر الأساس لأي بناء ديمقراطي راهن، أو مستقبلى.

تزامنا مع ذكرى غالية، وعلى أرض طاهرة، شجعان رجالها، كرام أهلها، سيتم "تصعيد" رئيس المجلس الوطني، عضو الأمانة الوطنية، بالطريقة المبرمجة ذاتها، والمعمول بها في مراسم التنصيب؟ لا نريد أن نتعجل الحُكم، لكن، هل يمكن، لأحدكم، دون بسمة ساخرة، أن يعرف لمن حُجز مقعد رئيس المجلس الوطني الصحراوي يوم 27 فبرايرالقادم ؟ في كل الأحوال تبقى المسافة كبيرة بين منطق الانتخاب.. وواقع التصعيد.. اي التعيين


بقلم: محمد لبات مصطفى