الخميس، 5 يناير 2012

الصحراء الغربية: موضوعية وحتمية الاستفتاء..


ثلاث أحداث هامة هذا الشهر (ديسمبر 2011 ) تعزز قضية الصحراء الغربية. الأول، تجميد الاتحاد الأوربي (14 ديسمبر 2011) لاتفاقية الصيد مع المغرب بحكم تناقضها مع القانون الدولي من خلال انتهاك الموارد الطبيعية الساحلية للشعب الصحراوي. الثاني، قرار الكونغرس الأمريكي (20 ديسمبر 2011) برفض المساعدات الأمريكية إلى المغرب دون تقديم تقرير من طرف كتابة الدولة للشؤون الخارجية حول انتهاك حقوق الإنسان بالأراضي المحتلة للصحراء الغربية والإجراءات المتخذة من قبل الحكومة المغربية في مجال احترام حقوق الأشخاص في التعبير السلمي عن أرائهم، بخصوص مستقبل الصحراء الغربية...، مشترطا، توفير حق دخول منظمات حقوق الإنسان وممثلي الحكومات الأجنبية إلى الصحراء الغربية ومن غير أية مضايقات. الحدث الثالث في هذا الشهر (15-20 ديسمبر 2011) هو انعقاد المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليزاريو بتفريتي بالأراضي المحررة الذي تم التأكيد فيه على وحدة الشعب الصحراوي أينما كان وبعزيمة واستعداد لاستخدام كل الوسائل من أجل تجسيد حقه في تقرير مصيره وفق الشرعية الدولية.

لا يكفي المجال هنا في هذه المساحة المحدودة ذكر كل الحقائق والعوامل الموضوعية التي تؤكد الحتمية النهائية لتطبيق مبدأ حق شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره، يمكن هنا ذكر البعض منها:

1. على مستوى الشرعية الدولية، الصحراء الغربية هي أصلا مستعمرة إسبانية (منذ مؤتمر برلين: 1884-1885 الذي تم فيه تقسيم ما تبقى من إفريقيا بين الدول الاستعمارية)، وهي مبرمجة في اللجنة الرابعة لمنظمة الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار منذ 1960 (قرار 1514) على غرار المستعمرات السابقة في العالم التي نالت استقلالها وفق ذلك.

2. هوية ووطنية متجذرة لشعب الصحراء الغربية، مهما كانت قوة الخصم وحجم الممارسات القمعية واللاإنسانية ضد صاحب الحق، فإن هذا الأخير هو الأقوى معنوياً والأكثر عزيمة لاسترجاع حقه المغتصب، يصدق ذلك على شعب الصحراء الغربية، بالأصالة والمرجعية التاريخية العريقة للساقية الحمراء ووادي الذهب المتجذرة في المنطقة، وبهوية شعبها المتميز بالإنسان الحر المستقل في حياته رافضاً الخضوع رغم الحياة البسيطة التي يعيشها. شعب مشحون بقوة وإرادة فولاذية طبيعية، متماسك في هويته ووطنيته وفي تفاعلاته الداخلية وعصري في تسيير شؤونه الإدارية وفي ترسيخ هيكلة دولة عصرية بممارسات متحضرة وديمقراطية. يأتي في مقدمة ذلك تقديم الكفاءات وإعطاء دور أكبر للمرأة في التسيير والتواجد في مؤسسات الحكومة والدولة. الزائر للمخيمات والأراضي المحررة والأراضي المحتلة يعيش ذلك ميدانياً.

3. جبهة البوليزاريو قوة اقتراح، لأنها تعكس شجاعة وممارسة سياسية مسؤولة عندما توافق على طرح كل الخيارات والبدائل (الانضمام إلى المغرب أو الحكم الذاتي أو الاستقلال) للاستفتاء، وأن اختيار الشعب سوف يحترم، موقف يضعف المغرب ويقوي جبهة البوليزاريو معززة مبدأ إنسانيا عالميا شاملا يشكل لغة العصر والعمل السياسي الراهن وهو الديمقراطية وحرية الرأي وحق الاختيار.

4. مشاريع الحكم الذاتي هي أصلاً مشاريع وممارسات استعمارية مارستها الدول الاستعمارية سابقاً والتي آلت في النهاية لاستقلال الشعوب والمستعمرات، وفي هذا الإطار يصنف مشروع الحكم الذاتي المغربي الذي هو في الحقيقة إقرار بأن هناك شعبا وأرضا، وأن المغرب يعترف بانفصال الصحراء الغربية عن سيادته، والسيادة لا تجزأ.

5. ودائماً في إطار السيادة لا تجزأ، موافقة المغرب على تقسيم الصحراء الغربية مع موريطانيا في اتفاقية مدريد (1975) هو اعتراف بأن هذه الأرض ليست كلها تابعة لسيادته، وكأن الأمر هو اقتسام غنيمة، موريطانيا فرضت عليها جبهة البوليزاريو الانسحاب (1978) من الجزء الذي احتلته سنة 1975.

6. نفس التساؤل حول موضوع السيادة يطرح على المغرب عند بنائه للجدار العازل بطول 2400 كلم والذي يقسم الصحراء الغربية إلى قسمين، الأراضي المحتلة والأراضي المحررة. فهذا إقرار مرة أخرى أن المغرب يعترف بأن الصحراء الغربية ليست مغربية انطلاقاً من المبدأ أن السيادة لا تجزأ.

7. دخل المغرب في حرب مع جبهة البوليزاريو لمدة أكثر من 15 سنة (1975-1991) وتم توقيف إطلاق النار بناءً على التزام المغرب بمبدأ استفتاء الشعب الصحراوي، ومنذ ذلك الوقت والمغرب يتفاوض وفق وضمن هذا المبدأ مع جبهة البوليزاريو كممثل وحيد للشعب الصحراوي تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة.

8. بالمغرب داخلياً، ليس في صالح النظام المغربي أن يستمر في تأجيل الحل النهائي وهو الاستفتاء حول تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، لأنه رغم التعتيم الإعلامي فإنه بدأت تبرز آراء ومواقف مغربية علنية، ليس فقط لدى بعض المنظمات وقوى حقوق الإنسان المغربية بل بدأت تبرز حتى تيارات سياسية تنسجم ومبدأ الاستفتاء وحق تقرير المصير، مثل حزب النهج الديمقراطي الذي له مواقف رسمية وبرنامج ونشاط وفق هذا الطرح.

9. بناء المغرب العربي واحترام اختيارات شعوبهم وخصوصيتهم شرط أساسي لتجسيد أي مشروع وحدوي أو تكتل إقليمي. تجسيد مبدأ اختيار شعب الصحراء الغربية في تقرير مصيره هو مسار يدعم هذا النهج والطرح. الاتحادات والتكتلات الدولية القائمة في العالم تجسدت على أساس استفتاء شعوبها وليس على أساس التوسع وفرض أمر الواقع. أكبر اتحاد إقليمي في العالم وهو الاتحاد الأوربي تجسد ضمن ووفق هذه المقاربة الواقعية. بناء المغرب العربي يعزز العلاقات الثنائية والإقليمية في المنطقة ويقوي جسور التواصل بين شعوب المغرب العربي. احترام إرادة اختيار شعب الصحراء الغربية هو محطة كبرى ومحور أساسي لبناء وتفعيل مغرب عربي جاد وفعال، وبذلك تفعّل العلاقات الإقليمية على الأسس والعوامل المشتركة بين شعوبها وتثمن الإرادات السياسية ويؤسس لتكتل واقعي وبراغماتي يساير التحولات الدولية الجديدة ومخرجات العولمة الراهنة.

د. إسماعيل دبش، أستاذ بكلية العلوم السياسية والإعلام، جامعة الجزائر