السبت، 11 يونيو 2011

"الآفاق واعدة أمام أجيال الشعب الصحراوي لحمل مشعل التواصل والاستمرارية" (محمد عبد العزيز)




ولاية الداخلة (مخيمات الللاجئين الصحراويين)، 10يونيو 2011 (واص)أكدرئيس الجمهورية، محمد العزيزأن"الآفاق واعدة أمام أجيال الشعب الصحراوي لحمل مشعل التواصل والاستمرارية"في كلمة ألقاها يوم الخميس أمام المشاركين في الطبعة الثالثة من ملتقى الشهيد الولي الفكري وندوة الشباب المنعقدة بولاية الداخلة من ال9 إلى 11 يونيو الجاري، التي يشرف على تنظيمهااتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، تحت شعار " الشباب الصحراوي من أجل التحرير والبناء" .
و في ما يلي النص الكامل لهذه الكلمة

الأخوات والأخوة،
الضيوف الكرام
في مثل هذا اليوم التاريخي الخالد، نستحضر قيم ومثل الشهادة، وروح الفداء والتضحية بكل شيء من أجل أغلى شيء، الحرية والكرامة، والتي جسدها خير تجسيد شهيد الشعب الصحراوي ومفجر ثورته المظفرة، الولي مصطفى السيد، حين استرخص، وهو في ريعان الشباب، دماءه ووقته وجهده وقدم روحه الطاهرة من أجل عزة هذا الوطن.
إن مرور خمس وثلاثين سنة على استشهاد واحد من أعز أبناء شعبنا وأخلصهم وواحد من ألمع الزعماء الثوريين في العالم العربي وإفريقيا هو، بدون شك، مناسبة ثمينة للقاء مناضلات ومناضلي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، من كل مواقع المسؤولية والعمل والتواجد، بما فيها الأراضي المحتلة وجنوب المغرب وداخل المغرب نفسه، في المواقع الجامعية وغيرها، لنجدد معاً عهد الوفاء والإخلاص لمبادئ وأهداف طليعة كفاحنا الصدامية في الحرية وتقرير المصير والاستقلال.
كما أن تزامن هذه الذكرى مع انطلاق فعاليات الطبعة الثالثة من ملتقى الشهيد الولي الفكري، الذي يشرف على تنظيمه اتحاد شبيبة الساقية الحمراء ووادي الذهب، تحت شعار " الشباب الصحراوي من أجل التحرير والبناء" والندوة الوطنية لسياسات الشباب، التي أقرها برنامج الحكومة لسنة 2011، ، لهو بادرة متنورة تستجيب للحاجة الدائمة إلى تكوين وتثقيف وتأهيل الشباب والشعب عامة، وتجذير أواصر التواصل والاستمرارية بين أجيال الثورة الصحراوية.
الإخوة والأخوات،
في هذا اليوم فقدنا مبكراً ذلك القائد الفذ، المثقف والمناضل المخلص الذي اعتنق مبادئ الثورة ضد الوجود الاستعماري في بلاده، وامتشق بندقية التحرير في معركة الوجود والمصير، واختار طريقاً لا رجعة فيها، ولا خيار فيها إلا الانتصار أو الشهادة التي لا تضع حداً للمشوار، بل تفتح باب السعير على المحتلين الغاصبين الطغاة، وتؤجج نار الكفاح والمقاومة والصمود.
ولم يكن شهيد الحرية والكرامة يصدر عن مجرد حماس فياض واستعداد منقطع النظير للتضحية والعطاء، ولكنه كان شخصية متميزة على أكثر من صعيد، ينطلق قبل كل شيء من ثقة متجذرة في الشعب الصحراوي وفي قدرته على تخطي أصعب الظروف، ومن قناعة راسخة في الانتصار كنتيجة حتمية، طبيعية ومشروعة لنضال وكفاح شعب مظلوم ومضطهد وصاحب حق، في وجه همجية عمياء لقوة الظلم والاحتلال التي لا تجيد سوى عنف وحشي لا يمكن أن يصمد أمام إرادة الشعوب.
وجمع الشهيد الولي كل ذلك إلى فهم عميق للمجتمع الصحراوي، وقدرة باهرة على التكيف والانسجام مع مشاعره وتطلعاته، والتعامل بكل حكمة ورزانة ولياقة واحترام وفطنة وذكاء مع كل المستويات والأعمار، واستيعاب الذهينات المختلفة والأفكار المتباينة، وتوحيد وصهر كل ذلك في بوتقة المعركة الواحدة من أجل الوجود والاستقلال.
الأخوات والأخوة،
والشعب الصحراوي يخلد هذه الذكرى الخامسة والثلاثين لاستشهاد شهيد الحرية والكرامة، فإنه يقف على صرح شامخ من الانجازات والمكاسب التي جاءت ثمرة لكفاحه المرير، مخضبة بالدماء والدموع والعرق والتضحيات الجسام، التي شاركت فيها كل مكوناته، رجالاً ونساءً، شيباً وشباباً، في ساحات الوغى كما في ميادين البناء والصمود، في الداخل كما في الخارج، في الأراضي المحررة كما في الأراضي المحتلة وجنوب المغرب ومخيمات العزة والكرامة.
وإلى التجربة القتالية الرائعة لمقاتلي جيش التحرير الشعبي الصحراوي، الذين سجلوا ملاحم بطولية تاريخية، واستطاعوا، بوسائل متواضعة، ولكن بإرادة وتصميم لا مثيل لهما، أن يقهروا جحافل جرارة ومدججة بأعتى وأحدث الأسلحة والمعدات، تنضاف اليوم تجربة المقاومة السلمية التي تخوضها جماهير شعبنا البطل، بصدور عارية، ولكن أيضاً بإصرار منقطع النظير، في مواجهة آلة القمع المغربية بكل تشكيلاتها.
وها هي انتفاضة الاستقلال المباركة تصنع الحدث وطنياً ودولياً، وتقدم للعالم أجمع أمثلة التحدي والصمود والتشبث الواعي والمستميت بالحقوق الوطنية المشروعة، رغم كل أساليب الترهيب والترغيب، ورغم كل المعاناة والتضحيات والشهداء الأبرار والجرحى والمعتقلين السياسيين والمفقودين.
وإن لنا في ملحمة اقديم إيزيك مثالاً متجدداً على قدرة الشعب الصحراوي، في إطار حربه التحريرية الوطنية، على استكشاف السبل وإبداع الأساليب الخلاقة لمواجهة غطرسة المحتلين واستبداد المستعمرين. ولا شك اليوم أن مخيم اقديم إيزيك شـكـَّـل عملية نضالية نوعية راقية قادها أبناء وبنات الشعب الصحراوي، تحضيراً وإشرافاً وتنظيماً، بطريقة أبهرت مراقبين ومفكرين كباراً، لم يتوانوا في الإقرار بما مثله المخيم من مرجعية وإلهام بل وفضل الشرارة الأولى في مد التحولات التي تشهدها الساحة العربية اليوم.
إن فعلاً وطنياً واعياً ومتقناً ومنظماً مثل ملحمة اقديم إيزيك، من حيث الآثار والانعكاسات والنتائج المترتبة عنه، حاضراً ومستقبلاً، يحيلنا إلى أيام خالدة أخرى في تاريخ كفاح الشعب الصحراوي لا يقل أهمية عنها، مثل انتفاضة الزملة التارخية في 17 يونيو 1970، بقيادة الفقيد محمد سيد إبراهيم بصيري، أو تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 ماي 1973، أو إعلان الكفاح المسلح بعد عشرة أيام من ذلك التاريخ، أو إعلان الوحدة الوطنية في 12 أكتوبر 1975 أو قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 فبراير 1976، وغيرها كثير.
الأخوات والإخوة،
إنه لفي غاية الأهمية أن يتم استثمار منابر ومحطات من قبيل هذه الندوة الوطنية حول سياسات الشباب من أجل استكشاف وتحديد أفضل السبل لتعزيز الانخراط الجدي والفعال، الكامل والشامل، الواعي والمسؤول، للشباب الصحراوي في معركة التحرير والبناء، في كل ساحاتها وتجلياتها، السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها.
وفي ظل وضعية الحرب التحريرية الضروس التي يخوضها الشعب الصحراوي على مدار أكثر من 37 سنة، فإن أية سياسة أو مخطط أو استراتيجية، أياً كان مجالها أو أهدافها، سوف تجانب الصواب ما لم تأخذ بعين الاعتبار قضيتنين جوهريتين وملحتين، أولهما تصعيد المعركة الوطنية على جميع الجبهات من أجل الإسراع في التحرير والاستقلال، وثانيهما بناء وتقوية أسس الدولة الصحراوية.
ومن هذا المنطلق، فإن أي سياسة موجهة للشباب الصحراوي اليوم لا بد أن تراعي منطلقات وأولويات أساسية، أبرزها تقوية جيش التحرير الشعبي الصحراوي، بشرياً ومعنوياً ومادياً، وتأجيج ودعم المقاومة السلمية في الأراضي المحتلة، المجسدة اليوم في انتفاضة الاستقلال المباركة، وتفعيل عمل مؤسسات الدولة الصحراوية، بالتركيز على قطاعات حيوية، مثل الصحة والتعليم والتكوين والإدارة والعمل الدبلوماسي والإعلامي.
الأخوات والإخوة،
إن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب هي حركة تحرير شعبية وطنية، كل مبادئها وأهدافها وقراراتها تنبثق من الإرادة الحرة والسيدة للشعب الصحراوي، تتبنى الديمقراطية والشفافية والقابلية لاستيعاب كل الأعمار والفئات، وفي مقدمتها العنصر النسوي والشباني، ومختلف الأفكار والتوجهات التي يجمعها هدف أسمى هو استقلال الشعب الصحراوي فوق ترابه الوطني.
إن هذا البعد الشعبي والتوجه الديمقراطي المتفتح هو السر الكامن وراء صمود هذه الحركة طوال عقود طويلة من الزمن، رغم كثافة المناورات وخطورة المؤامرات التي حيكت ضدها، والتي سعت بكل السبل إلى تمزيقها من الداخل والمساس من سمعتها ومكانتها ووضعيتها القانونية الدولية كممثل شرعي وحيد للشعب الصحراوي.
وبعد أكثر من ثمان وثلاثين سنة من التجربة الكفاحية، يتعزز لدى الجبهة ذلك التوجه وذلك الانفتاح الطبيعي على المبادئ والأسس التي تحكم الممارسة الديمقراطية الحقيقية، مما يجعلها ترحب بأية فكرة تـتـفـتـق عنها العبقرية الصحراوية في هذا السياق، في إطار واضح وصارم لا يحيد قيد أنملة عن أهداف شعبنا المقدسة في التحرير والاستقلال والوحدة الوطنية، في ظل سيادة دولة كل الصحراويين، الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
إن الآفاق واعدة أمام أجيال الشعب الصحراوي لحمل مشعل التواصل والاستمرارية، لأنها اليوم كتلة بشرية نوعية وواعية بمسؤولياتها ومدركة لواقعها، ولأنها تقف على قاعدة صلبة من الإنجازات والمكاسب، وعلى رصيد كفاحي زاخر بالمآثر والبطولات، وفوق هذا وذاك، لأن كل الصحراويات والصحراويين، أينما تواجدوا، هم اليوم أكثر إجماعاً وإصراراً من أي وقت مضى على التمسك بنفس تلك الأهداف النبيلة السامية التي رفعتها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وضحى من أجلها شهداء القضية الوطنية البررة.
وهذه مناسبة لنتوجه بتحية إجلال وتقدير إلى جماهير انتفاضة الاستقلال المباركة، ونترحم على شهداء الانتفاضة الأبطال، ونحيي بحرارة مشاركتها المتميزة في هذه الندوة وهذا الملتقى، من خلال هذه الكوكبة من المناضلات والمناضلين التي ترصع اليوم هذه الذكرى وتشرف هذه الاحتفالات بحضور يمثل عينة من تلك البطلات والأبطال الذين خبروا معاناة السجون المغربية والاختطاف والاعتقال والاختفاء القسري، والذين شاركوا في صنع ملحة اقديم إيزيك التاريخية، والذين يخوضون اليوم غمار المقاومة السلمية بمزيد من الوحدة والتصعيد في انتفاضة الاستقلال.
وفي هذه اللحظة، هناك أكثر من 60 معتقلاً سياسياً صحراوياً قابعين في سجون الاحتلال المغربي، يعانون من آثار التعذيب وشتى صنوف المعاملات اللانسانية، وتبعات الإضرابات المتتالية عن الطعام، وكلهم إصرار وتشبث بمواقفهم المبدئية، المطالبة بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال، عبر استفتاء حر، عادل ونزيه.
نتوجه بالتحية إلى هؤلاء جميعاً، ونعرب لهم عن مؤازرة وتضامن جماهير الشعب الصحراوي، في كل مكان، ونؤكد لهم بأننا لن تنام لنا جفون ما دام أبناؤنا وإخواننا في السجون، وحتى يتم الكشف عن مصير كل المفقودين الصحراويين لدى الدولة المغربية.
وفي يوم الشهداء هذا، لا يمكن أن يغيب عنا بلد المليون ونصف المليون من الشهداء، الجزائر الشقيقة، مهد ثورة الأول من نوفمبر المجيدة، التي وقفت بالأمس وتقف اليوم إلى جانب الحق والعدالة والقانون والشرعية الدولية وتصفية الاستعمار وتقرير المصير في كل أصقاع الدنيا، لم تخشَ في ذلك لومة لائم، وهو نفس الموقف الذي تتبناه اليوم تجاه قضية الصحراء الغربية. إن الشعب الصحراوي، وهو يحس بالفخر والاعتزاز على هذا الموقف المبدئي التاريخي، ليعبر عن عميق الشكر والامتنان للدولة الجزائرية، حكومة وشعباً، بقيادة فخامة الرئيس عبد العزيز بتوفليقة.
وإننا لنتوجه إلى الشعب المغربي الشقيق لنعبر عن كامل التقدير لتلك الأصوات الحرة التي أبت إلا أن تعلن موقفها المبدئي النبيل إلى جانب حق الشعب الصحراوي في الحرية وتقرير المصير، مثل حزب النهج الديمقراطي، مجددين نداء الشعب الصحراوي، الذي عاني الأمرين من ظلم الحكومة المغربية، إلى شقيقه الشعب المغربي من أجل العمل المشترك لإحقاق الحق وتكريس الحرية والديمقراطية في المملكة المغربية وفي الصحراء الغربية، على أسس واضحة من التعاون والأخوة والصداقة والاحترام المتبادل وحسن الجوار.
وإذ نترحم في هذه الذكرى على روح الشهيد الولي مصطفي السيد وكل شهداء القضية الوطنية، فإننا نقول لقوة الاحتلال بأن الشعب الصحراوي مصمم كل التصميم على انتزاع حقوقه المغتصبة، وأن الأجيال الصحراوية المتلاحقة عازمة على الوفاء لعهد الشهداء واستكمال مسيرة التحرير حتى الانتصار، وإقامة دولة الصحراويين على كامل ربوع التراب الوطني، مهما كلف ذلك من ثمن ومهما اقتضى من زمن.
وكفاح شامل لفرض السيادة والاستقلال الكامل (واص